يتذكر القراء ان تشكيل الحكومات في العراق بعد كل انتخابات تشريعية لم يكن ابدا مهمة سهلة، أدركنا صعوبة ذلك منذ اول حكومة شكلها نوري المالكي، ثم حكومته الثانية، ثم حكومة حيدر العبادي، واخيرا حكومة عادل عبد المهدي، ولم اذكر حكومتي اياد علاوي وابراهيم الجعفري لخصوصية تلك الحكومتين...
يتذكر القراء ان تشكيل الحكومات في العراق بعد كل انتخابات تشريعية لم يكن ابدا مهمة سهلة، ادركنا صعوبة ذلك منذ اول حكومة شكلها نوري المالكي، ثم حكومته الثانية، ثم حكومة حيدر العبادي، واخيرا حكومة عادل عبد المهدي. ولم اذكر حكومتي اياد علاوي وابراهيم الجعفري لخصوصية تلك الحكومتين.
القاعدة الدستورية لتشكيل الحكومات في البلدان الديمقراطية سهلة وواضحة. الحزب الذي يفوز بالاغلبية المطلقة لعدد مقاعد البرلمان (النصف+١) يشكل الحكومة. وعند تعذر ذلك يكون البلد امام خيارين: اما تشكيل حكومة ائتلافية، او اعادة الانتخابات.
هذا الوضوح والسهولة غير واضحين في العراق، والسبب عيوب التأسيس. وهنا اذكر عيبين: الاول دستوري، والثاني عملي.
العيب الدستوري موجود في المادة (76) التي جاء في فقرتها الاولى: "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء". والعيب هنا في عبارة "الكتلة النيابية الاكثر عددا". فهذه العبارة سائبة ولا تضع معيارا محددا للكتلة النيابية الاكثر عددا التي يمكن ان تنال حق الترشيح. ذلك لان في ظل التعددية المفرطة للاحزاب في البرلمان وعدم وجود حزب كبير يحوز على اغلبية مقاعد البرلمان، فقد وصلت الى البرلمان احزاب صغيرة، وصغيرة جدا، ومجهرية، وفردية. وكل حزب من هذه الاحزاب غير قادر لوحده على تشكيل حكومة يمكن ان تحظى بثقة الاغلبية المطلقة لاعضاء البرلمان بيسر وسهولة. ولهذا كان ينبغي ان يقال ان حق الترشيح محصور بالكتلة التي تحتل الاغلبية المطلقة لمقاعد البرلمان. ولا فرق في ذلك ان يكون ذلك تحقق مباشرة في الانتخابات او من خلال كتلة برلمانية يجري تشكيلها قبل انقضاء المدة الدستورية للتكليف.
ولحل هذه الاشكالية تفتقت عبقرية الطبقة السياسية الحاكمة عن اختراع امرين هما:
الاول تلفيق تحالف برلماني شكلي كبير سرعان ما ينفرط عقده.
والثاني، المحاصصة على اساس الاستحقاق الانتخابي، في تشكيل الحكومة. وهو اسلوب متبع في اسرائيل، ويقضي بان يخصص للكتلة البرلمانية المشتركة في الحكومة عدد من الوزارات يناسب عدد نوابها، بعد ان تم وضع "تسعيرة" نيابية للحكومة تشمل رئيس الوزراء ونوابه والوزارات السيادية والوزارات الاخرى ووكلاء الوزارات. وهذه بدعة لا اعرف لها نظيرا في الدول الاخرى. والمحاصصة تخضع لمعادلة معقدة تشمل الطائفة والقومية والحزب. كما تقضي بان تكون الحكومة توافقية. وكان من نتائج ذلك: رئيس وزراء مكبل، حكومة ضعيفة، غياب المعارضة البرلمانية. ولكن النتيجة الاهم هي الفقدان التدريجي للمضمون الديمقراطي للنظام السياسي، وهكذا تدرج وصف النظام من ديمقراطي ذي عيوب، الى نظام هجين، واخيرا نظام اوليجارشي تحكمه قلة من الاشخاص (بعضهم غير منتخبين اصلا)، ولا تراعي احكام الدستور، ولا تعود الى الشعب. كل هذا جعل تشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة عادل المهدي المستقيلة من اصعب الامور، وهي صعوبة لا تعبر عن ازمة حكومة انما تعبر عن ازمة نظام. فالنظام السياسي برمته اصبح غير قادر على الاشتغال.
وللخروج من هذه الازمة الخانقة كان لابد من التفكير بحلول جذرية. واول مفردات هذه الحلول تغيير طريقة الانتخابات من الانتخاب بالقائمة الى الانتخاب الفردي. وقد تم تشريع هذا القانون، لكن الطبقة السياسية وضعته على الرف. وثاني مفردات الحلول حل مجلس النواب بموجب المادة ٦٤ واجراء انتخابات جديدة. لكن الطبقة السياسية التفت حول هذه الخطوة، مستغلة تدني مستوى الوعي السياسي، وذهبت الى الاستقالة الشكلية للحكومة والغياب الطوعي لرئيسها، لكي تتجنب اجراء الانتخابات المبكرة. ومع ان التظاهرات الشعبية شكلت قوة ضغط ايجابية في هذا السياق، الا انها فقدت البوصلة في الربع الاول من الطريق، وفقدت بالتالي زخمها الاصلاحي. وجاء فيروس كورونا ليزيد الطين بله. ولا حول ولا قوة الا بالله العظيم.
اضف تعليق