تعتبر الاحصاءات من أهم الوسائل التي تُعتمد في اعداد الدلائل والمؤشرات، عن حالات وقضايا ومفاهيم واسس وسياسات ونظريات وخطط موضوعة، أو هي في دور الإعداد.. وعلم الإحصاء من العلوم الحديثة والمتجددة.. وهو أحد العلوم الرقمية الذي انسجم بشكل كامل مع التطورات التقنية الحديثة واستخدامات أنظمة الحاسوب وبرامجه، والتي يسرت الكثير من أمر هذا العلم ومعطياته، والنتائج التي يخلص إليها الباحثون في مجاله.
ويكاد لا يخلو قطاع من القطاعات من عمليات احصائية، ونتائج رقمية تسجل علامات لتطور وتقدم، أو تخلف وتراجع، سواء كان ذلك في الزراعة او الصناعة او الطب او الإدارة او التربية اوالعلوم.. بل حتى في الفن والأدب والثقافة بشكل عام، ناهيك عن السياسة ودهاليزها، والعلاقات الدولية، وبناء الدول، وهوية أنظمتها داخلياً وخارجياً.. فكل هذا تسيره معادلات وجداول وبيانات إحصائية، لا يمكن بدونها الوصول إلى أية نتائج علمية دقيقة.
وتُبنى الخطط عادة القصيرة المدى منها والاستراتيجية على أسس احصائية شاملة، تحدد اتجاهات ومتطلبات وحاجات هذا القطاع أو ذاك، لتنتج لنا مخرجات يمكن اعتمادها في التطوير والبناء، ومعالجة الأزمات، وحل المشكلات والتخفيف من أثر المعوقات والمعرقلات. فالتعداد العام للسكان إحدى العمليات الإحصائية الشاملة، والتي تتناول الموارد البشرية والمادية، والقدرات العلمية والامكانات المتوفرة، وعلى ضوء هذه العملية الإحصائية الكبيرة يمكن وضع وتنفيذ جميع الخطط. ومع أهمية هذه العملية.. إلا أنها مؤجلة منذ أكثر من خمس سنين.. إلا أنها أجلت محاباة ولأسباب سياسية، وبهذه المجاملة ضيعنا على أنفسنا وضع قاعدة بيانات علمية مهمة جداً.. فأصبحت خططنا مبنية على أساس التقديرات والتقريبات، ما يجعلها تفتقر إلى الدقة.. ومثل هذه الخطط لا تعطي نتائج صحيحة، لأنك عندما تضع خطة لإنتاج المياه الصالحة للشرب تحتاج إلى معرفة دقيقة بعدد نفوس العراق وحجم الاستهلاك..
وكذلك عندما تضع خطط الإسكان والتربية والحاجة الحقيقية للغذاء.. نحن اليوم نفتقد إلى أبسط الإحصاءات ووزارة التخطيط عاجزة أحياناً عن بناء خطط بعيدة المدى، لأن الموارد والقدرات والإمكانات لم تتحول بعد إلى أرقام، ليتم معالجتها على وفق النظريات الإحصائية المعتمدة من قبل الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
مشروع الترقيم الوطني هذا سيداتي سادتي، لا يعني برامج ومنهاج عمل لتحقيق الهوية الرقمية للمواطن العراقي.. التي تغنيه عن الوثائق الأربع التي تلازمه في حياته ومماته واشكالات صحة صدورها، فتكون هي المعتمدة والموثقة توثيقاً عالياً.. كما ان مشروع الترقيم الوطني ليس سعياً من الدولة لتعميم الرقم المدني، وهو المفتاح السحري للمواطن العراقي.. الذي من خلاله يمكن الإطلاع على كل ماله صلة بالوثائق، وبعض المعلومات الشخصية، إضافة إلى المعلومات الأمنية..
لكن مشروع الترقيم الذي نتحدث عنه، لا يعنيه كل ما ذكرنا، بل هو مبني على ترقيم البهائم.. وأرجو أن لا تختلط المفاهيم هنا، فلا يقصد بالمعني، البهائم من البشر، من عناصر القاعدة وداعش والإرهابيين بمختلف تسمياتهم، ولا الطائفيين من السياسيين الذين يسعون إلى الفتنة والتفرقة والتقسيم.. ويدعون في خطاباتهم التحريضية إلى جعل العراق أشلاءً على أسس طائفية وعرقية، ويبغضون بقاء العراق موحداً مستقراً معافى من خزعبلاتهم وتوجهاتهم المريضة.
مشروع الترقيم الوطني يعني ترقيم الحيوانات في العراق.. فقد قال المهندس مدير زراعة كربلاء أن الكوادر المتخصصة قامت بترقيم (98966) رأساً من الأبقار والجاموس والأغنام والماعز في عموم المحافظة.. وهذه الجهود ضمن المشروع الوطني الحقيقي لترقيم الثروة الحيوانية، لمعرفة أعدادها وانواعها واماكن تكاثرها، لأجل وضع الخطط العلمية وتطبيقاتها عملياً، للنهوض بواقع هذه الثروة حيث تشكل دعماً مهماً للإقتصاد الوطني.. ويبدو أن المشروع بدأ لأول مرة في هذه المحافظة من ناحية الحسينية، حيث تم تهيئة كافة المستلزمات والفرق التي قامت بعملية المسح الحيواني، وهو الإحصاء الذي سبق الإحصاء البشري، وحسب الأهمية على ما يبدو.. وليس في هذا الأمر تسييس أو تلبيس، بل هو حقيقة قائمة على وفق الأولويات العراقية الجديدة.
اضف تعليق