لقد أقلق خطر فايروس كورونا مؤسساتنا الصحية وهي تراقب حجم الكوارث التي سببها للعالم والتي يُحتمل ان نتعرض لمثلها لا سامح الله، ليحثها على مغادرة السلوك اللامبالي وبذل جهد استثنائي وبحرص كبير على المواطنين بدعم من الجهات الأمنية التي شاركت في فعاليات صحية ليست من اختصاصها...
من حسنات فايروس كورونا الذي هز العالم وأوقفه على أطراف أصابعه، انه جعلنا بمواجهة حقيقة واقعنا الصحي المتراجع الذي كثيرا ما شكا الناس من سوء خدماته وشحة علاجاته، ما أوقع الناس فريسة القطاع الطبي الخاص الذي استوحش بغياب رقابة الدولة ، او السفر الى خارج العراق مع ما يعنيه ذلك من هدر للعملة الصعبة، بالرغم من ان العراق والى وقت ليس بالبعيد كان مقصدا للمرضى الأجانب وبخاصة من دول الخليج، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تخلو عيادة الدكتور المرحوم زهير البحراني المتخصص بجراحة الجهاز الهضمي يوما من مرضى غير عراقيين.
ولسوء الادارة وغياب الأمن وعدم التقدير فر المئات من الكفاءات بمختلف الاختصاصات الى خارج البلاد، وحرمان العراقيين من خبرة أبنائهم، ومع ان ذلك كارثة بمقاييس البلدان، الا ان المعنيين في بلادنا واجهوها باللامبالاة من دون حساب تداعياتها . لقد أقلق خطر فايروس كورونا مؤسساتنا الصحية وهي تراقب حجم الكوارث التي سببها للعالم والتي يُحتمل ان نتعرض لمثلها لا سامح الله، ليحثها على مغادرة السلوك اللامبالي وبذل جهد استثنائي وبحرص كبير على المواطنين بدعم من الجهات الأمنية التي شاركت في فعاليات صحية ليست من اختصاصها، واتخاذها اجراءات اريد لها ان تكون صارمة.
الا ان هذا الجهد والحرص قوبل بسلوكين متناقضين من المواطنين، فهناك من التزم بشدة بالتعليمات التي أصدرتها خلايا الأزمة في العاصمة والمحافظات وهم الكثرة الذين تحسسوا الخطر ولزموا بيوتهم ، وتحوطوا بشراء المطهرات والمعقمات بحدود امكانياتهم، وقلة قابلوها بعدم الاكتراث واللامبالاة، لكن لا يمكن الاستهانة بأعدادهم، الأمر الذي من شأنه افشال خطة البلاد لعبور الأزمة بسلام بحسب تحذير خلية الأزمة المركزية.
ومع ان السوك اللامبالي شكل ظاهرة بارزة في السلوك الاجتماعي العراقي، لكننا قليلا ما أخضعنا هذا السلوك للدراسة والتأمل، والبحث في ارتباطاته بما هو سياسي وثقافي وغيرهما من العوامل . يقول علماء النفس (( ان اللامبالاة هي حالة وجدانية سلوكية، ومن أسوأ مظاهر هذه الحالة أنها تبعد الشخص عن التفكير بالنتائج والأهداف التي قد يحصدها ))، وهنا نتساءل لماذا لم يفكر بعض المواطنين بالمخاطر الكارثية المترتبة على عدم الالتزام بحظر التجوال كإجراء احترازي، مع ان جميع دول العالم قد اتبعه برغم خسائره المالية.
انقسم اللامبالون في مجتمعنا على نوعين: أولهما جاء سلوكهم بدواع دينية: وبدورنا نتفهم ارتباط الناس بمعتقداتهم الدينية وحرصهم على أداء طقوسها ومراسيمها، الا ان ذلك في أوقات الأوبئة والأمراض يكون أشبه بالانتحار الجماعي، ولا يقتصر ذلك عليهم ، بل يُحتمل ان يمتد لجميع المواطنين، ما يدخل البلاد في كارثة قد تكون غير مستعدة لمواجهتها حاليا كما هو حال بقية البلدان، وبما ان الدولة مسؤولة عن الجميع فصار لزاما على الجهات الأمنية الا تتحرج حيال دواعيهم من تطبيق اجراءاتها بصرامة على الزائرين، ولا أظن أحدا يلومهم على ذلك.، والنوع الثاني الذي يكثر فيه الشباب طبع التندر والاستخفاف سلوكهم ازاء ما يجري.
ان السلوك اللامبالي يشكل تهديدا للبلدان ويحول دون تقدمها، تقول الدكتورة هبة عيسوي أستاذ أمراض الطب النفسي بجامعة عين شمس ((أثبتت الأبحاث أن العقبة التي تقف أمام تقدم المجتمعات ليس فقدان الموهبة في الشباب، ولكن اللامبالاة والسلبية، وهما السببان الأساسيان في تأخر المجتمع، فكثير من الأشخاص يعانون من اللامبالاة ولا يهتمون كثيرا بحياتهم العملية أو وظائفهم)).
والسؤال كيف تولدت اللامبالاة في مجتمعنا، لا شك ان التخلف من بين أبرز أسباب السلوك اللامبالي، فمن معانيه غياب الوعي، وذلك طبيعي عندما يكون ثلث المجتمع اميا (11) مليون عراقي لا يجيدون القراءة والكتابة بحسب ما أعلنه تقرير للامم المتحدة، ولا نعرف على وجه التحديد أُميتنا الحضارية، ومع التخلف يأتي الاحباط واليأس والفراغ وغموض المستقبل وسوء الواقع وعدم القدرة على تغييره والشعور باللاجدوى، وهي ظواهر تسللت الى نفوس شبابنا، وهي كالمعاول تنهش في شعور المرء بالانتماء لوطنه، ما يخفض روح الحماس والايجابية في سلوكهم العام والخاص، نأمل أن يكون جرس انذار كورونا دافعا للتأمل بهذه الظواهر.
اضف تعليق