لم تعد السياسة لدينا تسيير امور البلاد، بل موت منتظر، وبالجملة في مفترقات الطرق، ومع الموت تفقد السياسة جدواها، ألم يبتكر الانسان الدولة ليتخلص من الموت ويفشو السلام؟، للذين أعنيهم أقول: المجد يكمن في صناعة السلام وصون الحياة، وليس في تزيين الحروب وتبرير القتل، وبهذا يكون القائد عظيما...
القائد الذي سيمجده التاريخ، ويشّيد له نصبا في ذاكرته، ويطليه بأكثر ألوانه بريقا، ذاك الذي يوقف جريان أنهار الدم، ويتصدى للموت المجاني، ويحفظ للإنسان قدسيته، فمذ أبصرنا الدنيا، ومخالب الموت تنهش أرواحنا، حتى صار الموت في بلادنا ظاهرة، ولكثرتها ما عادت تلفت الأنظار، ويمر عابرا خبر موت أحدهم من دون ان تقشعر له الأبدان، ولا تنتاب مشاعر الفقدان رجال الموت الأشاوس الذين يتبادلون الأدوار من حين لآخر، ولا يدركون ان الحياة تُمنح لمرة واحدة فقط، وليس من الانصاف انهائها من دون أسباب ترقى الى مستواها.
فالحياة حق، ومن ينهيها بغير الحق مجرم، رجال الموت عندنا لا يتوانون لحظة عن قتل الناس لأتفه الأسباب، او لقناعات يظنوها حقائق حتى عدوا أنفسهم بأنهم المالكون الوحيدون للحقيقة وغيرهم يغط في دياجير الظلام، ولم يخطر في البال ان القناعات تتبدل، ولطالما تبدلت خلال مسيرة سياستنا اللعينة، لكنهم لم يتأملوا بما مضى، وكيف نشرت أياديهم الوحشة في الكثير من البيوت التي نريد لها أن تكون بهيجة.
هل حقا ان بلادنا هي دار السلام، يبدو لي ان التسميات ليست انعكاسا للواقع، بل أمان يتطلع المبتلون الى تحقيقها، فأكثر الأشياء غيابا في بلادنا هو السلام، فما مر زمن الا وامراء الحروب يتسّيدونه، ويتفننون في ابتكار أشكال للموت، والذرائع شتى، راجعوا القريب من تاريخنا فقط، ستجدونه مخضبا بالدم، كئيبة الكثير من صفحاته، ولا اعتراض على دم اهدر دفاعا عن الوطن ، لكن الدم المهدور في سبيله قليل، وكثيره مجاني ما كان يجب أن ينزف . فمن هو العظيم الذي يفوح سلاما ومحبة ليعيدنا الى مسار السلام، هذا ما قضينا العمر في البحث عنه.
الغريب ان من يدعي أقرب الصلات لله تعالى هو من يقوم بقتل من حرم الله قتله ، فبنوا للطائفية بيوتا، وللمظلم من التاريخ قلاعا، بينما الحب أبعد ما يكون عن قلوبهم ، فعن أي دين تتحدثون ؟، الأوطان لا تُبنى بغير المحبة، فلا تتشدقوا بالدفاع عن المكونات، هكذا ولدنا ملونين، كالزهور في الحدائق، ولا قوة في لون واحد، الجمال بالألوان ان كنت تدركون، فلا توهموا الناس بغير ذلك، وتدفعوا بهم الى الموت دفعا.
فالذي لم نتعلمه بمدراسكم، قد نتعلمه من التجربة، وعند ذاك سنطاردكم، بل نطارد الموت المتلبس في أجسادكم، بينما لا نريد لحياتنا أن يطارد بعضنا بعضا، فقد سئمنا المطاردة، الموت والمطاردة يسيران بخطين متوازيين، ومن يريد للحياة ان تكون مشرقة، فليكف عن مطاردة الآخرين الذين يختلفون معك بالدين او الفكر او الهوية.
ليس بقائد من يغض البصر عن حفلات الموت الصاخبة، ذلك ان الانسان قبل البنيان، وما السياسة والدين الا لتعميق قدسيته، هذا الذي نفهمه من جوهر الأديان وفحوى السياسة، اما السلطة التي تريدون، فتعرفون انها زائلة، بمثل هذا الكلام صدعتم رؤوسنا في منابركم، وأخترتوا لها أحسن الألفاظ وأرق الأصوات، وصدقناكم بطبية قلوبنا حتى رأينا موتكم مقبل علينا بشراهة، فاذا بالسواد يغلف الحيطان.
أتساءل مع نفسي، وكل الأخيار معي مندهشون، كيف يُغمض جفن لمقتل فتى في مقتبل العمر، وترمل صبية في العشرين، ونواح ام ثكلى بإنطفاء مصباح لطالما انتظرته ليضيء انكسارات كبرها، ووحشة بيت وأنين جدران، هنا وقف، وهنا سرح شعره، جميع الأمكنة تردد صداه، يا هول جريمة اغتيال الفتيان. من ارتكب هذي النوازل بحقنا مجرم، وهو الوحيد الذي ينام قرير العين، ألم يستيقظ نشطا لاغتيال فتى آخر، واختطاف صبية، أظنه يعود لمنزله فرحا، وهو يرى ويسمع من على الشاشات لوعات الامهات.
لم تعد السياسة لدينا تسيير امور البلاد، بل موت منتظر، وبالجملة في مفترقات الطرق، ومع الموت تفقد السياسة جدواها، ألم يبتكر الانسان الدولة ليتخلص من الموت ويفشو السلام؟، للذين أعنيهم أقول: المجد يكمن في صناعة السلام وصون الحياة، وليس في تزيين الحروب وتبرير القتل، وبهذا يكون القائد عظيما، وبغيره لن يحصد سوى اللعنات.
اضف تعليق