q
صحوت مبكرا هذه المرة على غير عادتي، فسمعت صوت هطول الأمطار بكثافة كبيرة محولا المساحات المجاورة للمنزل إلى برك مائية تمتد لأمتار عدة، هذا الهطول في بعض البلدان يعد من مصادر الخير والبركة التي تسهم في النهوض ببعض القطاعات ومن بينها القطاع الزراعي...

صحوت مبكرا هذه المرة على غير عادتي، فسمعت صوت هطول الأمطار بكثافة كبيرة محولا المساحات المجاورة للمنزل إلى برك مائية تمتد لأمتار عدة، هذا الهطول في بعض البلدان يعد من مصادر الخير والبركة التي تسهم في النهوض ببعض القطاعات ومن بينها القطاع الزراعي الذي يعتبر من اشد القطاعات تماسا مع المياه ومصادرها.

في كل مرة ومنذ سنوات عندما تهطل الأمطار بكميات غزيرة، تكتفي الجهات الحكومية، بمجموعة من الإجراءات الوقتية التي تسمن ولا تغني من جوع، اذ تبقى في دائرة الحدود المؤقتة مع غياب النظرة المستقبلية.

أصبحت الأمطار اشبه بالشبح الذي يُخيف الكثير من المواطنين، وذلك بسبب تردي خدمات الصرف الصحي في اغلب المدن العراقية، وبمجرد نزول كميات متوسطة تتحول الشوارع إلى انهار مليئة بالظمأ تؤثر بشكل كبير على الحركة العامة للافراد والمركبات.

في كل شتاء نسمع الجهات المسؤولة عن ملف الخدمات البلدية بأنها ستتبع إجراءات محددة تسهم في نظافة الطرقات والحفاظ عليها من الفيضانات عبر استمرار صيانة شبكات الصرف الصحي المنتشرة في عموم احياء المدن ومراكزها.

ان المشكلة الاساسية التي وقعت بها الجهات المنفذة لأغلب مشاريع البنى التحتية هو عدم امتلاكها للخبرات الكافية من جهة، وسيطرة الجشع والطمع على المنفذين بغية الظفر بمبالغ إضافية على حساب الجودة المطلوبة والمواصفات الواجب توفرها بالمشروع من جهة اخرى وبالنتيجة يقل العمر الافتراضي للمشروع الذي انفقت عليه الجهات الحكومية مليارات الدنانير.

هذا الخلل الحاصل هنا ناتج من عدم إعطاء الرقابة على المشاريع أهمية كبيرة، ما جعل من المنفذين يأمنون العقاب ولم يلتزموا بالشروط الموضوعة من قبل الجهات المعنية.

وإذا اردنا ان ننتقل عن هذا الملف ونخوض بأهمية الأمطار في إنعاش الزراعة بعموم البلاد، نلاحظ ان المساحات الخضراء تزداد بشكل تلقائي بعد هطول الأمطار لاسيما في المناطق التي تفتر للأنهار وتعتمد بشكل على الأمطار في عملية الري.

أن زيادة المساحات الخضراء ينعكس بشكل إيجابي على الثروة الحيوانية عبر تأمين الغذاء اللازم للرعاة الذين يجوبون الصحاري بحثا عن الكلأ، وهو ما يضمن إنعاش القطاع الحيواني بشكل نسبي.

موضوع المياه ومسألة تأمينها اصبح من الموضوعات ذات الحساسية الكبيرة بين الأنظمة السياسية، اذ نجد من يتحكم بمصادر المياه له القدرة الكافية على التحكم بمصير الزراعة والثروة الحيوانية بالكثير من البلدان، وهذا ينطبق على ممارسة الجارة تركيا مع الحكومة العراقية، ففي كل مرة تُلمح بأنها ستقلل من الحصة المائية ما يؤثر بشكل مباشر على الجانب السياسي.

مع هذه التهديدات المتواصلة نجد هنالك تجاهل واضح من السلطات العراقية، فهي إلى الآن لم تفكر بأنشاء السدود لاستثمار مياه الأمطار بشكل امثل، وبذلك تصبح هي من تتحكم بكمية الاطلاقات المائية بما يتلائم والحاجة المحلية دون الخضوع لرغبات وسياسات الدول التي تكون فيها مصادر المياه، وهو امر يدخل في حفظ السيادة الوطنية.

الأمطار هبة من الله عز وجل لا يمكن لأي احد ان يتحكم بها، لكنها في ذات الوقت يجب ان يتم استثمارها بالشكل الصحيح وبما يحقق الفائدة المرجوة منها، فلا يعقل أن تذهب هذه الكميات الكبيرة من المياه إلى المبازل دون الاحتفاظ بها لمواسم الشحة.

وهذا الأمر لم يتم ما لم تعمد الجهات المعنية في البلاد إلى وضع خطط كفيلة باستثمار هذه الثروة الطبيعة والتي لم تتوفر في العديد من البلدان، ومن بين هذه الخطوات هو بناء السدود الكافية لخزن المياه الهاطلة والزائدة عن الحاجة، وبذلك نكون قد حولنا هطول الأمطار من نقمة على البعض إلى نعمة للجميع.

اضف تعليق