ويفترض ان يعزز الحراكُ الشعبي الديمقراطيةَ في المجتمع والدولة على مستوى المبادئ وعلى مستوى الممارسة، ومن هذه المبادئ حماية الحرية، وحقوق الانسان بما في ذلك حق تقرير المصير بالنسبة لكل انسان، وان الشعب مصدر الشرعية، والعودة اليه متى ما استحكمت الخلافات، وتعذر الاتفاق بالوسائل العادية...
"لقد مضت أربعة أشهر على بدء الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح وتخليص البلد من براثن الفساد والفشل التي عمّت مختلف مؤسسات الدولة ودوائرها"، كما جاء في خطبة المرجعية الدينية الجمعة الماضية.
وحساب الزمن مؤشر اساسي في اي حراك حضاري، باعتبار الزمن هو احد عناصر المركّب الحضاري الذي يقوم عليه الحراك الشعبي. اما العناصر الاخرى فهي: الانسان، والطبيعة، والعلم، والعمل، وتحسب انجازات الحراك الحضاري على اساس الزمن المستغرَق لتحقيقها، وتتجلى قيمة الحراك الشعبي من الزاوية الحضارية بحجم الخطوات التي يقطعها باتجاه الدولة الحضارية الحديثة.
وبالتالي تكون دولة حضارية حديثة هي المؤشر الاعلى المقياس الاعلى للحراك الشعبي، ولما كانت الدولة الحضارية الحديثة تقوم من الناحية البنوية على خمسة اسس او ركائز فان قيمة الحراك الشعبي تقاس بمقدار ما يقترب من هذه الركائز.
واولى ركائز الدولة الحضارية الحديثة هي المواطنة التي تعني العلاقة المباشرة بين الفرد والدولة/ الوطن. والتوصيف بالمباشرة يعني ان المواطنة ليست بحاجة الى وسائط اخرى كالعرق والدين والطائفة والعشيرة وغير ذلك. فبمقدور كل فرد ان يكون مواطنا من لحظة الولادة بدون شرط الدين او القومية او الطائفة او العشيرة.
وعليه بعد ذلك ان يتحول الى مواطن فعال، وذلك باكتساب الوعي والايجابية اللذين يمكنانه من القيام بدوره البناء في حياة المجتمع والدولة. والتظاهر النظامي والسلمي من اجل التعبير عن الرأي والضغط على مراكز القرار من اجل الاصلاح ومكافحة الفساد من مظاهر المواطنة الفعالة.
والركيزة الثانية هي الديمقراطية. ويفترض ان يعزز الحراكُ الشعبي الديمقراطيةَ في المجتمع والدولة على مستوى المبادىء وعلى مستوى الممارسة.
ومن هذه المبادىء حماية الحرية، وحقوق الانسان بما في ذلك حق تقرير المصير بالنسبة لكل انسان، وان الشعب مصدر الشرعية، والعودة اليه متى ما استحكمت الخلافات، وتعذر الاتفاق بالوسائل العادية، كما جاء في كلمة المرجعية الدينية: "إن الرجوع الى صناديق الاقتراع لتحديد ما يرتئيه الشعب هو الخيار المناسب في الوضع الحاضر، بالنظر الى الانقسامات التي تشهدها القوى السياسية من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها فيما يحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، وتعذر اتفاقها على اجراء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها معظم المواطنين، مما يعرّض البلد لمزيد من المخاطر والمشاكل، فيتحتم الاسراع في اجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته ويكون مجلس النواب القادم المنبثق عن ارادته الحرة هو المعنيّ باتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية التي تحدد مستقبل البلد".
وليس من الديمقراطية في شيء ان يتحدث كائن من كان "بأسم الشعب" بدون تفويض نظامي من قبل الشعب. وهذا لا يمكن تحقيقه واحرازه الا من خلال صناديق الاقتراع، سواء بالاستفتاء العام او الانتخابات البرلمانية.
وبهذه المناسبة، فقد ظهرت في الاونة الاخيرة دلائل تشير الى ان الاحزاب الحاكمة وبعض المشاركين في التظاهرات الاحتجاجية لا يراعون مبادئ واسس الديمقراطية بشكل يدعو الى الاطمئنان. فاما الاحزاب الحاكمة فهذا ليس جديدا عليها، فلا نعيد، لكن المشكلة في بعض المحسوبين على التظاهرات، حيث برزت مواقف وتصريحات وشعارات لا تنم عن التزام سليم بالديمقراطية. ومن ذلك التصرف تحت عبارة "بأسم الشعب"، ومحاولة فرض الراي الواحد، وتخوين ما عداه، واعتبار المتظاهرين هم الشعب. وهذا كله مما يتنافى مع الديمقراطية.
وهذا يشكل مصدر قلق على مستقبل الديمقراطية في البلد، اذْ كيف يتحقق الاطمئنان اذا لم يكن المحتجون على الاحزاب الحاكمة افضل منها في الالتزام الديمقراطي؟ اننا لا نريد ان يؤدي الحراك الشعبي الى الابتعاد خطوة عن الديمقراطية.
اضف تعليق