يبقى جدل بناء الدولة احتمالية قائمة مهما كانت خيارات المرحلة القادمة في ظل كل التداعيات الداخلية والصراع الإقليمي الذي يلقى بظلاله سلبا على تقوية الدولة وبناءها، والسؤال هنا هل ستكون الألفية الجديدة كمثيلتها في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي ورجحان استمرار الدولة الهشة التي ألفها العراقيون...
مضى عقد كامل من عام (2010 إلى 2019) دون أن يلمس العراقيون حلا لتحديات بناء دولتهم ومشاكل نظامها السياسي، إذ أن هذا العقد كان الأخطر على مستوى تحدي الإرهاب وإرهاب تنظيم داعش على وجه الخصوص، وبقدر هذا الخطر كان صمود وتضحيات أبناء الشعب العراقي في هزيمة التنظيم نفسيا وعسكريا في حدث تأريخي مهم سجل لصالح قوات الجيش والشرطة والحشد ودور عموم أبناء الشعب العراقي.
وظلت مشكلة النظام السياسي وإصلاح العملية السياسية من المشاكل المؤجلة إلى العقد الجديد (2020- ....)، إذ لا يزال الجدل قائم حول التغيير المرجو للعملية السياسية، فقد دخل البلد في فراغ دستوري بعد تقديم حكومة عادل عبد المهدي استقالتها في حين يعيش الشارع من جانب، والقوى السياسية من جانب آخر، تتفاوت في الرؤى وغياب الإتفاق حول مرشح من الممكن أن يكلفه رئيس الجمهورية برئاسة الحكومة، إذ أن ساحات الاحتجاج لا تريد أن يكون مرشح الحكومة من قبل القوى السياسية.
وفي الوقت نفسه هناك إنشطار في مواقفها أيضا في حين تحاول بعض الشخصيات الانتهازية استغلال حركة الاحتجاجات في الوصول إلى السلطة من بوابة رئاسة الوزراء، وبقدر عدم الاتفاق حول تشكيل الحكومة يؤثر سلبا في تقديم المشاريع، ومنها مشروع الموازنة الاتحادية لعام 2020 التي لا تزال في أروقة الحكومة، وتوقيع الاتفاقيات وإنهاء الدرجات الخاصة بالوكالة وما إلى ذلك، فإن القوى السياسية ستجد نفسها أمام الضغط الشعبي في الوسط والجنوب المتصاعد بأدوات الاعتصامات وغلق المدارس والجامعات وقطع الشوارع وتعطيل الحياة العامة، تحت هذا الضغط تجيب باختيار رئيسا للوزراء يحظى بقبول المعتصمين، والسؤال هنا: ما مدى قدرة رئيس الوزراء المقبل في معالجة المشاكل؟، وبالتأكيد مهما كان هذا الشخص مؤهلا ومتمكنا إلا أنه سوف لا يفلح في تحقيق ما يريد الشعب للأسباب الآتية:
السبب الأول/ إن الفترة التي سيتولى فيها رئاسة الحكومة ستكون قصيرة، لأن مجلس النواب في ظل الوضع الراهن سيعمد إلى حل نفسه والذهاب إلى خيار الانتخاب المبكرة.
السبب الثاني/ إن هناك جملة من المشاكل التي ترجع إلى فواعل متعددة قسما منها راجع إلى القوانين والتعليمات النافذة والأنظمة البيروقراطية السائدة في العراق منذ فترة غير قصيرة، والفاعل الثاني البيئة غير المشجعة للاستثمار، والفاعل الثالث هناك بعض القوى السياسية إلى جانب تعدد الرغبات والمصالح اللذان قد يشكلان عائق في أي مشروع تنموي، إذن سيبقى جدل تعثر رئيس الحكومة المقبل قائم في ظل الأسباب والفواعل المذكورة، إذا ما ارتبط بالأشخاص وليس بالمشاريع.
أما الجدل الثاني في بداية الألفية الجديدة فيتثمل بالخيارات السياسية المقبلة وهي: إما الذهاب بالانتخابات المبكرة أو بخيار تغيير العملية السياسية والعودة من نقطة الصفر، فجدلية الانتخابات المبكرة ستكمن في ضوء نتائجها إذا ما أجريت في ضوء قانون الانتخابات الفردي والدوائر المتعددة الذي أقره مجلس النواب قبل أكثر من شهرين إثر الاحتجاجات الساخطة، وبالتالي فإن مخرجات هذا القانون حتما سوف تكون مختلفة عن مخرجات قانون سانت ليغو السابق لكن هذا لا يعني انه سيحول دون صعود قوى شعبية نافذة اليوم.
وإذا ما دخلت قوى الاحتجاج الانتخابات فكيف ستتعامل مع هذه القوى، لاسيما وأن القرارات واختيار الرئاسات الثلاثة يبدأ من مجلس النواب الذي اقره الدستور العراقي النافذ، وأي قرار يحتاج إما أغلبية بسيطة أو أغلبية الثلثين وعدم قدرة أي كيان سياسي الحصول على الأغلبية وهو ما يعني في ضوء التجارب الانتخابية السابقة اللجوء إلى التوافقات والتحالفات السياسية، وعليه فإن خيار التحالفات قد تكون حاضرة في المرحلة المقبلة، إذ ما تزال القوى السياسية التقليدية ما بعد عام 2003 حاضرة في بعض الأوساط الشعبية على الرغم من أنها لم تكن كما كانت في المرحلة السابقة وبالتحديد في انتخابات عام 2014 وانتخابات عام 2018.
هذه الإشكاليات إذا أطرت في إطار البرامج السياسية ممكن أن تتجاوز إذا ما كانت التحالفات السياسية المقبلة على أساس البرامج والمشاريع، ممكن أي نشهد في المرحلة المقبلة من الألفية الجديدة لاسيما وأنها ستفتح في عاملها الأول أو الذي يليه بأول انتخابات مبكرة، ويبقى جدل بناء الدولة احتمالية قائمة مهما كانت خيارات المرحلة القادمة في ظل كل التداعيات الداخلية والصراع الإقليمي الذي يلقى بظلاله سلبا على تقوية الدولة وبناءها، والسؤال هنا هل ستكون الألفية الجديدة كمثيلتها في ظاهرة عدم الاستقرار السياسي ورجحان استمرار الدولة الهشة التي ألفها العراقيون، الجواب عن ذلك في مدى قدرة النخب السياسية التقليدي والقوى والتيارات المفترضة الصعود بعد حركة الاحتجاجات من خلال النقاط الآتية:
1- ترصين العملية السياسية عبر تهذيب مخرجاتها دستوريا، وهذا يكون من خلال تعديل الدستور أولاَ، والتي سبق وأن أشرنا لها في مقالات سابقة.
2- تعديل التشريعات الضابطة كقانون الأحزاب السياسية النافذ.
3- إيجاد الحكومات الخدومة ومجلس نيابي يراقب ويحاسب في ضوء تحالف يحكم، وتحالف في المعارضة.
4- الإنفتاح الخارجي لاسيما في المجال الاقتصادي والصناعي والعمراني، وذلك بتهيئة البيئة الاستثمارية الداخلية، وجلب كبرى الشركات الاستثمارية لهدف أساسي يتمثل بتطوير البنية الاقتصادية والخدمية للدولة العراقية.
5- إبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية، وذلك من خلال تقوية بيئة السياسية الداخلية أولاً.
اضف تعليق