وتتمحور اسباب الفقر في الفساد، فالفساد في الادارة والتخطيط والعمل والتصرف بالمال العام واستثمار الثروات الطبيعية ونظام التوزيع وغير ذلك يؤدي الى التفاوت الطبقي الحاد، والى الفقر، وهذه كلها مؤشرات على وجود خلل كبير في المركب الحضاري للمجتمع. وبالعودة الى القران الكريم مرة اخرى نجد ان الفساد ظاهرة بشرية...
ذكر البنك الدولي ان معدل الفقر في العراق لعام ٢٠١٨ وفقا لخط الفقر المحدد بـ 3.2 دولار في اليوم هو 17.9٪ فيما ترتفع النسبة باحتساب 5.5 دولار دخل في اليوم الى 57.3 دولاراً، لكن خط الفقر الوطني تم تحديده بـ 22.5٪.
وكل هذه النسب عالية، لانها تعني وجود الملايين من العراقيين ممن يعيشون في خط الفقر، بمعنى انهم جياع لا يحصلون على الحد الادنى من الطعام. وهذه صورة كارثية حين تتمثل في الذهن.
والفقر ظاهرة بشرية وليس ظاهرة غيبية؛ بمعنى انه من الممكن تشخيص الاسباب الاجتماعية للفقر بدون الحاجة الى تفسيرات غيبية مثل القول انه ابتلاء الهي. بل حتى لو قبلنا فكرة الابتلاء، فان العبرة فيها هي العمل الذي تؤدي وتدفع اليه. فالقران الكريم حين يتحدث عن الابتلاء فانه يربطه بالعمل الذي يشكل رد فعل له. وهذا ما نفهمه من قوله تعالى:"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا". فحين "يبتلي" اللهُ المجتمعَ بالفقر-كما هو الحال في العراق-فانه يقصد ان يدفع المجتمع الى القيام باحسن الاعمال لمعالجة الفقر، وليس من بين احسن الاعمال المفترضة الاستسلام للفقر بحجة "الرضا بقضاء الله"، انما بالعمل على معالجة اسباب الفقر بوصفه ظاهرة بشرية.
وتتمحور اسباب الفقر في الفساد. فالفساد في الادارة والتخطيط والعمل والتصرف بالمال العام واستثمار الثروات الطبيعية ونظام التوزيع وغير ذلك يؤدي الى التفاوت الطبقي الحاد، والى الفقر. وهذه كلها مؤشرات على وجود خلل كبير في المركب الحضاري للمجتمع.
وبالعودة الى القران الكريم مرة اخرى نجد ان الفساد ظاهرة بشرية وليس ظاهرة الهية حيث يقول:"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".
وعليه فان الحراك الاجتماعي لمكافحة الفساد وتحقيق الاصلاح يجب ان يستهدف ايضا محاربة الفقر والقضاء عليه. وحين تعلن المرجعية الدينية العليا بامامة السيد على السيستاني دعمها وتبنيها للحركة الاصلاحية، فان المؤمنين بهذه المرجعية يتوقعون منها موقفا مناهضا للفقر، ولا يتوقع ان تدعو الخطبة الثانية من خطبتي الجمعة، في غياب السيد السيستاني في المستشفى، الى التعامل مع الفقر باعتباره ابتلاء ربانيا يجب القبول والرضا به؛ لان مثل هذه الدعوة لا تنسجم مع الموقف المقاوم للفساد والذي تتبناه المرجعية الدينية.
ان مجتمعنا يعاني من خلل حاد في مركبه الحضاري ادى الى سوء الانتاج والظلم في التوزيع رغم الثروات الهائلة التي يتمتع بها العراق، الامر الذي جعله مصداقا لقوله تعالى:"اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ". وقد اجاد السيد محمد باقر الصدر حين قال ان ظلم الانسان على الصعيد الاقتصادي يتجسد في سوء التوزيع، فيما يتجسد كفرانه للنعمة في اهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها.
وعليه فان الدعوة الى تحسين العمل في استثمار الثروات الطبيعية وتنمية الانتاج بما في ذلك الانتاج الزراعي والتربية الحيوانية والعدالة في توزيع الثروة قبل الانتاج وبعده، بما في ذلك سلم الرواتب والاجور في القطاعين العام والخاص يجب ان تتزامن وتترافق مع الدعوة الى محاربة الفساد وتحقيق الاصلاح الشامل للانسان والمجتمع والدولة، وهذا ما لا يتحقق الا باعادة بناء المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة وهي: الانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل.
اضف تعليق