والواضح ان هذا الاجراء ليس من اختصاص مجلس النواب انما من اختصاص الحكومة التي عليها ان تشخص ضرورته وتبعاته بعد دراسة المعطيات الامنية والعسكرية، والواضح ايضا ان مجلس النواب قام بعمل استعراضي سياسي مما تقوم به الاحزاب السياسية وليس المشرعون القانونيون، وهذا يدل على انخفاض حاد في...
في اجتماع احتفالي تخللته الهتافات، اتخذ مجلس النواب عدة قرارات منها: ١. الزام الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة المقدم منها الى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، ٢. التزام الحكومة العراقية بأنهاء تواجد أي قوات اجنبية في الاراضي العراقية ومنعها من استخدام الاراضي والمياه والاجواء العراقية لأي سبب، ٣. قيام الحكومة العراقية ببحث امكانية المضي بإجراءات تشريع قانون الغاء اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الامريكية.
لكن بعض الناس طالبوا بالغاء ما سموه الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة. وقد رأيت انه من المفيد توضيح النقاط التالية:
النقطة الاولى: هناك اتفاق agreement وضع القوات بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة تم التوصل اليه عبر مفاوضات شاقة لتنظيم عملية انسحاب القوات الاميركية من العراق وتنظيم وجودها المؤقت فيه. وقد انتهى مفعول هذا الاتفاق عام ٢٠١١ بانسحاب اخر جندي اميركي من العراق في ذلك العام. ولا معنى للمطالبة بالغاء هذا الاتفاق لانه لم يعد موجودا.
النقطة الثانية، هناك اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة وهو اتفاق للتعاون الشامل وليس اتفاقا عسكريا فقط ويشمل التعاون بين الدولتين في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية الخ.
وقد نظم البند (٢) من القسم الحادي عشر الية انهاء هذا الاتفاق بالشكل التالي: "تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم اي من الطرفين اخطارا خطيا للطرف الاخر بنيته على انهاء العمل بهذه الاتفاقية. ويسري مفعول الانهاء بعد عام واحد من تاريخ مثل هذا الاخطار".
والواضح ان الولايات المتحدة اقدمت على اغتيال ضيف رسمي اجنبي للدولة العراقية جاء الى العراق لغرض الاجتماع برئيس الوزراء فيما يبدو انه تبادل رسائل بين المملكة العربية السعودية وايران عن طريق العراق. وادى ذلك ايضا الى مقتل مسؤول عسكري عراقي كبير كان في استقبال الضيف الاجنبي.
ويعد هذا العمل انتهاكا صارخا، بل عدوانا على السيادة العراقية، يكون معه وجود اتفاقية الاطار الاستراتيجي غير ذي معنى، مما يتطلب انهاءها وفق البند الثاني من القسم الحادي عشر منها.
النقطة الثالثة، الوجود العسكري الاميركي في العراق بعد عام ٢٠١٤ والذي تم بموجب طلب وموافقة الحكومة العراقية للمساعدة في الحرب مع داعش. والواضح ان هذا الوجود لا يعتبر احتلالا وفق القوانين الدولية، لكن انهاءه متوقف على رغبة الحكومة العراقية التي يمكنها الطلب الى القوات الاجنبية الرحيل ومغادرة الاراضي والاجواء العراقية اذا رأت انها لم تعد بحاجة الى هذه القوات.
والواضح ان هذا الاجراء ليس من اختصاص مجلس النواب انما من اختصاص الحكومة التي عليها ان تشخص ضرورته و تبعاته بعد دراسة المعطيات الامنية والعسكرية. والواضح ايضا ان مجلس النواب قام بعمل استعراضي سياسي مما تقوم به الاحزاب السياسية وليس المشرعون القانونيون. وهذا يدل على انخفاض حاد في الثقافة الدستورية والديمقراطية للنواب، وعلى عدم فهمهم للقواعد الديمقراطية وفي مقدمتها الفصل بين السلطات، وعلى انزلاق النواب الى المزايدة السياسية خارج الاختصاص الدستوري التشريعي لهم.
لا علاقة لهذا بالموقف من الوجود العسكري الاميركي في العراق. فقد اصبح هذا عبئا على الدولة العراقية، بل الشعب العراقي، بسبب التصرفات الرعناء والهوجاء للرئيس الاميركي ترامب والتي لا تحظى بتاييد وموافقة قطاع كبير من الاميركيين في المؤسسة البرلمانية والعسكرية، فضلا عن الشارع الاميركي.
لكن سوء التصرف الرسمي الاميركي، بل العدوان العسكري، ليس مبررا للنواب عندنا للخروج عن القواعد الدستورية للنظام القائم، لان هذا يدخل البلاد في فوضى دستورية وقانونية وسياسية نحن في غنى عنها.
اضف تعليق