q
ما يحصل في ليبيا من تدخلات دولية قد يكون السبب الحقيقي وراء تدهور الاوضاع داخليا مما ادى الى تعقيد الأزمة وعرقلة التسوية بين الأطراف المتحاربة، فمنذ تفجر الأوضاع في ليبيا، لم ينجح المجتمع الدولي بإحلال السلام على الرغم من عقد مجلس الأمن الدولي 15 اجتماعا لمناقشة الأوضاع في ليبيا...

الساحة الليبية لم تخف سخونتها من الاحداث فيها، اذ لا تزال تشهد صراعات إقليمية ودولية منذ بداية النزاع المسلح بين قوات الحكومة المؤقتة الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، وقوات حكومة الوفاق الوطني، (الجيش الليبي) بقيادة فايز السراج.

ولهذا شد الرئيس التركي رجب طيب اوردغان رحاله صوب تونس في زيارة مفاجئة جاءت كأول زيارة رسمية لرئيس دولة عقب تسنم الريس التونسي قيس سعيد مهام منصبه، لتلي ذلك انباء عن زيارة لرئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج وقمة ثلاثية تجمع الثلاثة.

وتأتي تلك التحركات غداة اعلان تونس عن مبادرة للسلام في ليبيا بعد اجتماع سعيد مع ممثل المجلس الاعلى للقبائل والمدن الليبية المقربين من الجيش الليبي والمشير خليفة حفتر، هذه الاجتماعات المكثفة تسعى فيها الدبلوماسية التونسية كما هو واضح الى إحلال السلام وايقاف الصراع المسلح في ليبيا.

فلا يزال البعض يتوجس من زيارة اوردغان الى تونس لاسيما وان هنالك اتهامات موجهة لتركيا بأنها تقف وراء ارتفاع حدة التوتر في ليبيا، بينما من الممكن ان تكون المبادرة التونسية وعلى الرغم من كونها خطوة جيدة لكنها قد تجبرها للاصطفاف مع طرف معين من اطراف الازمة الدائرة.

من المعروف ان تونس اصبحت بمثابة المطبخ الذي تعد فيه الافكار للخروج من الازمة ذلك بحكم تأثيرها على طرفي الصراع، اما زيارة اوردغان فقد تكون لمعرفة المقادير لتي ستوضع في ذلك المطبخ ومن المحتمل ان يكون لها اضافات اخرى لتغيير النكهة بما يناسبها ولو بشيئ بسيط.

الزيارة التركية الى تونس قد توصف بالهرولة بتجاه تونس لحماية مصالحها التي كثيرا ما تراعاها بتقديم التنازلات وتسلك طرق الحوارات لتحقيقها، فليس جديد على المراقب لسياسة اوردغان هذه المبادرة طالما تصب بشكل ايجابي في جعبته.

فمن الواضح ان تركيا لا تريد ان تتبع الخيار العسكري فهي تطرح جميع الخيارات قبل الذهاب الى الخيار الاخير، وفي النهاية ستحفظ الاستقرار في الشمال الافريقي، ولكن في حال غياب الحلول لم يبقى امامها سوى انزال قواتها الرادعة.

الاتفاقية الموقعة بين انقرة وطرابلس وبحسب تصريحات سعيد انها اتفاقية ثنائية ليس لها علاقة بالحدود التونسية، وهناك من يقول ان تونس تريد ان تحيد نفسها عن الازمة وهو ما قد يفسر على انه دعم تونسي مبطن لتركيا في هذه المسألة تحديدا.

بينما التفاهمات قائمة بين الحكومة التركية والروسية ومن المؤكد ستحضر في مؤتمر برلين الذي سيعقد في يناير/كانون الثاني المقبل، بعد أن تأجل غير مرة بسبب خلافات بين الدول العشر المدعوة (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات)، ذلك كون غيابها هو بمثابة غياب ركن مهم من اركان الاتفاق، وفي نفس الوقت نعرف ان اي دولة لا تريد ان تستنزف طاقتها في حرب مفتوحة وهو ما ينطبق على حكومة انقرة بصورة خاصة.

فمن يراقب مجريات الاتفاق التركي الليبي بدقة يرى ان بتوقيع مذكرتي التفاهم تكون الأزمة الليبية قد دخلت فصلاً جديدا من التأزم، اذ لا تختلف هذه الازمة عن الازمة القائمة في سوريا والتي لا تخلو من صراعات دولية واقليمية.

وتتعلق المذكرة الأولى بين أردوغان والسراج بترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، وتتعلق الثانية بإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني دعما عسكري، كل هذا جاء في وقت اشتدت فيه المواجهات حول العاصمة طرابلس بعد اعلان الجنرال خليفة حفتر، قائد قوات شرق ليبيا، عن بدء "المعركة الحاسمة" للسيطرة على العاصمة.

يسود اعتقاد لدى حكومة السراج بعدم اهتمام امريكا بما يحدث في ليبيا، بينما هي بأمس الحاجة الى التدخل وانهاء الازمة عبر الضغط الذي من اللازم ان يكون على الطرف المسوف او المماطل في تعبير ادق. لتحقيق السلام.

اذ اكتفت في الازمة الراهن على تأكيدها ان الحل الممكن للأزمة الليبية لابد أن يكون سياسيا من خلال التفاوض بين طرفي النزاع الداخلي لوقف الحرب، والبدء بإجراء عملية سياسية تفضي إلى قيام دولة مدنية ديموقراطية، وهو ما لم يلقي آذان صاغية من قبل حكومة حفتر غير الشرعية من وجهة نظر العديد من الاطراف الدولية.

ما يحصل في ليبيا من تدخلات دولية قد يكون السبب الحقيقي وراء تدهور الاوضاع داخليا مما ادى الى تعقيد الأزمة وعرقلة التسوية بين الأطراف المتحاربة، فمنذ تفجر الأوضاع في ليبيا، لم ينجح المجتمع الدولي بإحلال السلام على الرغم من عقد مجلس الأمن الدولي 15 اجتماعا لمناقشة الأوضاع في ليبيا دون التوصل إلى اتفاق والسبب يعود بصورة رئيسية الى تباين وجهات نظر الدول وتعارض مصالحها في ليبيا التي تغف على ثروات نفطية هائلة.

اضف تعليق