ان محاولة اصلاح النظام البرلماني ممكنة الحصول في حال تم العدول عن النظام الانتخابي الحالي، وتبني نظام انتخابي قادر على خلق اغلبية سياسية، فالأغلبية السياسية هي الطريق نحو تشكيل حكومة قوية ومتجانسة قادرة على العمل وإيجاد الحلول لكل ما يعانيه البلد من محن وازمات متنوعة...
في ظل فشل النظام البرلماني في العراق، ما هو البديل الامثل والذي سيتكفل بمعالجة كل الآثار السيئة او مواطن الفشل والضعف في النظام البرلماني؟ ستكون الاجابة عن هذا التساؤل في مقترح تبني النظام الرئاسي كنظام سياسي بديل عن النظام البرلماني الحالي، فالنظام البرلماني أحد الانظمة التي تلعب الاحزاب السياسية فيه دوراً كبيرا، قد يكون ايجابيا او سلبيا، او يحتمل الاثنين معاً، ومع كل الميزات التي قيل بتوفرها في هذا النظام، فإنه لا يخلو من مواطن الضعف والعيوب التي يمكن ان تطيح به، لاسيما في الدول التي تتميز بالتنوع الاجتماعي كالعراق. فلا يستطيع ان يضمن النظام البرلماني عملية الاستقرار السياسي في البلاد اضافة الى احتمالية انتشار الفوضى في البلاد اثر احتمال نشوب الصراعات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية داخل البرلمان.
ان النتيجة التي لايمكن الاختلاف عليها هي فشل النظام البرلماني وفق النموذج الذي صاغه دستور العراق لسنة 2005 ولأسباب عديدة منها تقوية مجلس النواب بشكل مبالغ فيه، حيث منحه الدستور تميزاً في كثير من الاختصاصات والسلطات، علاوة على مجيء نصوصه التي اتسمت بالعمومية في الكثير من المواضع بحيث تركت كل التفاصيل للتشريعات.
وعلى الرغم من أنه أمر مقبول تركيز الدستور على رسم الملامح العامة لباقي مؤسسات الدولة علاوة على البرلمان، الا ان دستور العراق منح مجلس النواب سلطات متزايدة في التدخل بتحديد أساسيات تشكيل المؤسسات الدستورية الاخرى كمجلس الاتحاد، والهيئات المستقلة والمحكمة الاتحادية، متطرفة في السماح للبرلمان بتحديد شكل حتى الهياكل الحكومية الأساسية (المحكمة الاتحادية كما منح الدستور مجلس النواب وقد منح الدستور لهذا المجلس العديد من الصلاحيات التشريعية في مجال تشريع القوانين العادية والمالية اضافة الى اختصاصات تدخل في مجال عمل السلطتين التنفيذية والقضائية.
ثم هناك مسألة الحل الذاتي للبرلمان وهي إشكالية بارزة في دستور 2005، فالحل وسيلة فعالة في اي نظام برلماني قائم على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهو يقابل سلاح سحب الثقة عن الحكومة بحيث يتحقق لدينا مفهوم ( السلطة توقف السلطة)، وهذا ما أخل كثيرا بالتوازن السياسي بين مجلس النواب والحكومة، فأضحت الحكومة خاضعة خضوع شبه تام لتوجهات مجلس النواب. إلا انه كلما كان رئيس الوزراء متمتعا بدعم الأغلبية، فإن موقفه آمن.
أما إذا فقد هذا الدعم يصبح موقفه ضعيفًا للغاية. ويتم تحديد موقف رئيس الوزراء فيما يتعلق بالبرلمان إلى حد كبير من قبل موقف الحزب ذاته في البرلمان، وفي حالة عدم حصول حزبه على أغلبية، فإن فرصة تشكيل حكومة متماسكة وبعيدة عن التصارع الحزبي تصبح ضئيلة جدا، وهذا هو السبب في أن الديمقراطيات الحديثة تعتمد على حكم الأغلبية، ولكن في النظام السياسي العراقي، لم تكن الأغلبية قوية بما يكفي لتشق طريقها وكانت هذه الحالة نتيجة لعاملين رئيسيين هما النظام المتعدد الأحزاب ونظام التمثيل النسبي (PR).
العراق واحد من البلدان الاكثر تنوعاً، ويعتبر العديد من السياسيين والباحثين أن شكل الحكومة التوافقية هو في صالح النظام السياسي العراقي، لكن هذه الديمقراطية التوافقية هي المسؤولة عن الفشل الكامل للديمقراطية في العراق، وتركت أثراً سلبياً على النظام البرلماني العراقي في جميع المستويات، فقد أعطت الفرصة لجميع الكتل البرلمانية للحصول على حصص في الحكومة مع احتفاظها بمقعد معارض.
وهذا إنعكس سلباً على دور رئيس الوزراء في إدارته لحكومته، وقد أمكن تشخيص هذه الحالة بشكل واضح من خلال عجز رئيس الوزراء عن محاسبة وزرائه او استبدالهم، إذ غالباً ما يهرع الوزير لاحضان كتلته السياسية وحزبه السياسي، واللذان لا يتورعا عن الدفاع عن وزيرهم الفاشل وتبرير أخطاءه وأفعاله أثناء وجوده في المكتب، بالتالي لا يملك رئيس الوزراء العراقي أي نوع من السيطرة على الوزراء. ولا يتمكن من التوصية باستبعاد أي وزير يثبت أنه مقصر، او ثبت عليه فساد في إدارة وزارته لأن ذلك سيشكل تهديدًا لتوافق الآراء داخل مجلس النواب وقد يدفع بقية الكتل السياسية الى الاتجاه نحو التهديد بسحب الثقة عن رئيس الوزراء للدفاع عن وزرائها ومنع رئيس الوزراء من تقديم أي توصية لرفض أي وزير.
ان محاولة اصلاح النظام البرلماني ممكنة الحصول في حال تم العدول عن النظام الانتخابي الحالي، وتبني نظام انتخابي قادر على خلق اغلبية سياسية، فالأغلبية السياسية هي الطريق نحو تشكيل حكومة قوية ومتجانسة قادرة على العمل وإيجاد الحلول لكل مايعانيه البلد من محن وازمات متنوعة، غير ان هذا الأمر لايبدو بذات السهولة التي يطرح فيها، فالساحة العراقية سياسياً واجتماعياً، تخلو من مقومات التخلي عن التحزب الطائفي، بالتالي ليس سهلا فرض نظام انتخابي وحزبي قائم على دعامتي الاغلبية والمعارضة السياسية.
لذلك نحن نميل نحو الحل الثاني والمتمثل بتبني النظام الرئاسي، لاسيما بعد فوضى الزعامات والمرجعيات السياسية المتعددة، التي برزت الى الوجود وتثبتت في ظل النظام البرلماني والانتخابي والحزبي الحالي في العراق. خروج العراق من عهود التسلط الفردي وحكم القائد الفرد، لايعني انه لايمكن تبني نظام سياسي من قبيل الانظمة الرئاسية، التي تؤدي الى وصول رئيس دولة قوي وقادر على اتخاذ القرارات في مقابل ضمانات دستورية وشعبية.
تعمل على منع الانحراف بالسلطة نحو الديكتاتورية، ولتطبيق ذلك هناك جملة من المعالجات التي يتوجب الاخذ بها، منها المعالجات الدستورية والمتمثلة بالعديل الدستوري يكون اقرب الى تبني دستور جديد ذلك لان النظام الرئاسي او شبه الرئاسي يستلزم العديد من المقومات التي تتضمن منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة وفي مختلف المجالات.
وتبني الدستور للفصل بين السلطات وفق النموذج الرئاسي، قادر على توفير الضمانات الأساسية للحقوق والحريات العامة، حيث يستقل رئيس الجمهورية بإدارة السلطة التنفيذية باستقلالية ضمن حدود الدستور ومبادئ الحكم الديمقراطي، ويستقل مجلس النواب بالتشريع وممارسة الرقابة البرلمانية. وهذا يستلزم منح رئيس الجمهورية العديد من الصلاحيات والسلطات العادية والاستثنائية اللازمة في احوال الطوارئ، منها منحه سلطة اختيار حكومته ومعاونيه ووزرائه، أي ان قرار تشكيل الحكومة يستقل به رئيس الجمهورية. وكذلك منح رئيس الجمهورية صلاحية حل مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في حال النزاعات والخلافات المستعصية التي يمكن حدوثها بينه وبين البرلمان وفي الاحوال التي يحددها الدستور.
استقلال رئيس الجمهورية عن البرلمان لابد ان يقابله ضمانة اخرى تتمثل في اختصاص المحكمة الاتحادية العليا بمحاكمة رئيس الجمهورية في الاحوال التي يحددها الدستور لمنع انحرافه واستبداده بالسلطة. منح رئيس الجمهورية صلاحية المصادقة على بعض المعاهدات والاتفاقيات والموافقة على تعيين بعض الموظفين من اصحاب الدرجات الخاصة ومنحه صلاحية اقالتهم واعطائه سلطة اعلان الحرب والطوارئ. ومنحه الحق الصريح بالاعتراض على مشاريع القوانين وتنظيم ذلك وفق نصوص واضحة ودقيقة تتضمن كيفية الاعتراض واثره وكيفية اسقاطه.
وامتدادا للتعديلات الدستورية التي ذكرناها سابقاً، لابد من استكمالها بتعديلات تشريعية انتخابية، تتكفل انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام السري المباشر من قبل الناخبين العراقيين في جميع أنحاء العراق لمدة اربع سنوات تجدد لمرة واحدة فقط. ان تبني هذه التعديلات سيضمن اضعاف المحاصصة الطائفية وتوجه الانظار نحو اختيار رئيس جمهورية مقبول من قبل اغلبية شرائح المجتمع العراقي. كما لاغنى عن التوعية المجتمعية فان افتراض تحقق التوعية السياسية للتحول السياسي والدستوري نحو النظام الرئاسي، في مداولات البرلمان، والاجتماعات الحزبية وغيرها، لايغني عن ضرورة تحقق التوعية المجتمعية لجميع شرائح واطياف الشعب العراقي، قبل الشروع بأي خطوة نحو التحول.
اضف تعليق