أكثر من تساؤل يطرح ذاته عن الحلول المفترضة لمفاسد المحاصصة، هل الخطأ في الدستور ام في الممارسة السياسية، الخطأ في القوانين ام في السلوك الإداري والمالي لموظفي الدولة، هل الخطأ في دخول أكثر من 300 حزبا الانتخابات ام ان مهنة الديمقراطية تتطلب وجود قيادات واضحة لأغلبية...
أكثر من تساؤل يطرح ذاته عن الحلول المفترضة لمفاسد المحاصصة، هل الخطأ في الدستور ام في الممارسة السياسية، الخطأ في القوانين ام في السلوك الإداري والمالي لموظفي الدولة، هل الخطأ في دخول أكثر من 300 حزبا الانتخابات ام ان مهنة الديمقراطية تتطلب وجود قيادات واضحة لأغلبية سياسية في البرلمان العراقي؟
تتمثل معضلة الفكر السياسي في الاجندات الحزبية، ما بين أحزاب تسعى لقيادة معارضة ضد نظام دكتاتوري، وتعمل على اسقاطه عسكريا، وبين نموذج أحزاب تتعامل مع فكرة المعارضة من حيث هي الهوية الفرعية الاضيق، فتجد التعامل الميكافيلي مع الغير، في لعبة الأمم الإقليمية والدولية، ما يؤسس فرص الاستيلاء على الحكم.
فكيف يكون الامر وهذه الأحزاب لها فكر سياسي اما شوفيني قومي، او إسلامي شمولي، يلغي الاخر، بل حتى الاخر ضمن ذات المذهب او الطائفة، من خلال نموذجي البيعة او ولاية الفقيه، فانتهى حال العراق باحثا عن ديمقراطية برلمانية في دستور كتب على مقايس توافق أحزاب المعارضة في مؤتمر لندن عام 2002 برعاية زلماي خليل زادة، لكي تصل هذه الأحزاب الى برلمان (مكونات) وليس برلمان (شعب+وطن) لتنتهي الدولة الى نموذج فريد من نوعه في مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة!.
مشكلة من يروج اليوم لا سيما من قادة الاعلام الحزبي في حكومات العراق المتعاقبة ما بعد عام 2003 لأهمية بناء حزب الأغلبية السياسية، عليهم تعريف مفهوم الدولة من وجهة نظر اجنداتهم الحزبية التي ما زالت تتعامل مع الغير بمفهوم الإلغاء والتهميش بعناوين مختلفة، وتتحالف من اجل موقع السلطة حتى وان وافقت على نموذج بغيض من الشوفينية القومية التي تهدد حتى بالانفصال عن العراق، فانتهى حال (الدولة = الوطن) الى ذلك البنك النفطي الذي يدار من مجموعة لصوص كما وصفه حسنين هيكل في تعليقه المشهور!.
الإجابة على جملة هذه التساؤلات واضحة ومعروفة في الادبيات السياسية، الدولة بأبسط تعريف لها شعب واحد (وليس امة شعوب) تقطن على رقعة ارض لها حدود دولية معترف بها، وهذا يتعارض مع مفاهيم (دار الإسلام) و(دار الحرب) التي تفسرها مناهج الإسلام السياسي كل حسب مذهبه، حتى انتهى العراق الى مكونات بشرية، لها قيادات عائلية متحزبة، تمارس إشكالات من تزوير الانتخابات، لسيادة منطق القوة في فرض اجندات حزبية على الغير ضمن ذات الرقعة الجغرافية التي يطلق عليها تسمية (العراق).
كل ذلك مزق الهوية الوطنية التي تقدم في نموذج المهاجرين للولايات المتحدة الامريكية هوية الولاء للدستور والعلم الأمريكي فيما هناك تكليف شرعي وتكليف قانوني، وتكليف قومي، وتكليف مناطقي وعشائري … الخ، يتجاوز احترام المواطن العراقي المفروض عليه بموجب الدستور والقانون النافذ، في حين ان المواطن العراقي ليس مهاجرا الى هذه الرقعة الجغرافية بل مواطنا فيها بالولادة ومن ابوين عراقيين أيضا بالولادة، والاجابة على ما اطرح من تساؤلات عن حزب الأغلبية السياسية كيف لها ان تتفق مع اجندات حزبية، تفرض سيطرتها على الاقتصاد والاعمال، والوظائف العامة، مما جعل متظاهري ساحات التحرير يخرجون سائلين (نريد وطن)!.
الجواب الأكيد لدعاة تأسيس أحزاب اغلبية برلمانية، وتعزيز هوية المواطنة، لابد وان تبدأ بإعادة صياغة العملية السياسية وليس ترقيعها، فمن يريد ان يعمل وفقا لتكليفه الشرعي ضمن محور المقاومة الإسلامية عليه ان لا يعمل ضمن محور الدولة، لان الأغلبية السياسية ليست كليا موافقة على النموذج الحزبي الولائي لمحور المقاومة، وهذا يتطلب ان يغادر أصحاب هذا المنهج العملية السياسية، وربما يعملون في المعارضة البرلمانية في الحد الأدنى المطلوب من فهم مهنة الديمقراطية البرلمانية.
وكذلك الحال لمن يريد الانفصال ويحقق حلم دولة خاصة لقومية ما، عليه ان يغادر العملية السياسية ضمن الدولة الاتحادية، ويعمل كمعارضة لنيل حقوقه القومية، وعلى من يشعر بالتهميش ان لا يكون رده على دولته، بالعمل على تقسيمها وتشكيل فيدرالية تمثل طائفة مذهبية فحسب، كون النظام الاتحادي لا يفهم بهذه الطريقة الفجة، بل باعتباره نظاما إداريا، وليس كونفدرالية بين دول، بل ان الكثير من الدول تنسجم فيما بينها لكي تتنازل عن بعض حقوقها السيادية لتشكل نظم كونفدرالي، كما هو حال الاتحاد الأوربي حاليا.
اما كيف يمكن تشكيل هذه الأحزاب كأغلبية برلمانية، فهناك طريقة انتخابية تتعامل مع رفع العتبة الانتخابية لعدد مقاعد مجلس النواب، كدائرة انتخابية واحدة لكل العراق، شرط، وأكرر شرط ان تحصل الكيانات السياسية المشاركة كأفراد او أحزاب، على ما لا يقل عن ثلث المقاعد، وهذا ما كانت تقترحه لجنة الاشراف على تشكيل اول مفوضية انتخابات عراقية لكنه رفض من قبل أعضاء مجلس الحكم.
وتطبيق هذا النموذج شاهدته خلال انتخابات المجر عام 1990، حيث أسست بعد سقوط النظام الشيوعي اكثر من 700 حزبا، تمثلت بان كل تعاونية زراعية تحولت الى حزب سياسي، ولكن وجود هذه القرة في قانون الانتخابات، أدى الى ان تتوحد أحزاب التعاونيات الزراعية باسم حزب الفلاحين، فيما نحج المثقفون بتشكيل ما عرف بالمحفل الديمقراطي، التي استطاع ان يتنافس في الدورة الانتخابية الثانية بعد عدم وصوله الى مرحلة ثلث عدد مقاعد مجلس النواب، وحصر التنافس بين الكيانات العشر الأولى الفائزة في الدورة الأولى، وتمكن من الحصول على اغلبية النصف من مقاعد البرلمان وتشكيل الحكومة دون الحاجة الى نظام التكليف من رئيس الجمهورية، كون الدستور ينص صراحة على تكليف الفائز الأكبر بأغلبية تزيد عن ثلث مقاعد مجلس النواب بتشكيل الحكومة، هل نستطيع في عراق اليوم، محاكاة مثل هذه التجربة بتعديلات الدستور المقبلة؟.
اضف تعليق