المشهد السياسي العراقي مفتوح امام كل الاحتمالات وقد بدأت بعضها تلوح في الافق ولكن الاكثر وضوحاً هو ان المتظاهرين لن يستجيبوا لدعوات الحكومة لان مطالبهم اكبر من قدرة الحكومة والطبقة السياسية على تلبيتها، والمرحلة التالية لعدم الاستجابة تكمن في الفوضى ودخول اجندات خارجية او ما...
عبد الله جعفر كوفلي/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
لقد كتبنا وكُتب الكثير عن العراق واسباب تأسيسه والهدف من وجوده وطبيعة شعبه المتسمة، ولكن ما يمر به في هذا الوقت يختلف عن المراحل السابقة بتفاصيلها، فمنذ اكثر من شهرين امتلئت ساحات التحرير في بغداد والمحافظات الجنوبية بأعداد غفيرة من المتظاهرين من جميع الفئات العمرية تطالب الحكومة بتقديم الخدمات اللازمة والقضاء على الفساد المستشري فيه حتى العظم لأنها باتت جريمة منظمة وخرجت من اطار الفردية والرضا بالقليل بل دخلت الى عقد الصفقات والمشاريع الوهمية والمحاصصة بين القوى والاحزاب السياسية.
ناهيك عن الشخصيات السياسية والدينية التي كانت قبل سنوات مثالاً في الاخلاص والوطنية، ولكن ارتفع سقف مطالب المتظاهرين الى حل الحكومة وتعديل الدستور الحالي في عدد من بنوده أو كتابته من جديد وفق اسس جديدة وإلغاء وتعديل بعض القوانين التي تمس حياة المواطنين ومنها قانون الانتخابات وقانون المستحقات المالية للمسؤولين وغيرهما.
ان التظاهر حق طبيعي لكل انسان ومكفول وفق الدساتير والقوانين المرعية، وعلى الحكومات ان تستجيب لمطالب الشعب ايضاً وفق الامكانات المتاحة ولكن في مظاهرات العراق تطورت الاحداث بشكل متسارع، فالمطالب كانت اثقل بعد كل يوم و اعداد الضحايا تجاوزت الالاف من بين القتلى والجرحى حسب الاحصائيات المعلنة من قبل الجهات الرسمية، بل شهدت بعض المحافظات مجازر جماعية دفعت بالعشائر للنزول الى الشارع املاً في ايقاف سفك الدماء، والمشاهد اليومية للمتظاهرين وسقوطهم ارضاً تشمئز منها النفوس وتحمل في ثناياها القصص والروايات المرعبة والتراجيدية.
اخيراً استجابت الحكومة وخاصة السيد عادل عبد المهدي للمطالب وأعلن استقالته، وبدأت وجهات نظر متعددة تظهر حول من يتولى مهامه ومدى صلاحيات حكومته في الفترة القادمة او ان يتجه العراق الى حكومة انقاذ وطنية وتعددت الآراء السياسية والقانونية حول الموضوع، ولكن ما نراه ربما يكون العكس من ذلك كله، وذلك بأن استقالة عبد المهدي لا تغير من الواقع شيء بل وتدخل العراق في نفق مظلم يكاد يكون الخروج منه صعباً وبهذا لن تتوقف المظاهرات وذلك:
- لأن المتظاهرين أعلنوا مراراً وتكراراً بان مطالبهم لا تكمن في تغيير الحكومة وانما تغيير وإقصاء كل من تولى المسؤولية في العراق بعد عام 2003 واضعاف او الغاء دور الاحزاب وخاصة الدينية منها في السياسة وبالتالي تغيير في نظام الحكم وتعديل او كتابة الدستور من جديد.
- ان المتظاهرين قدموا آلاف من ابناءهم وليس من المقبول او المعقول ان يتركوا ساحاتهم بسهولة بل وازدادوا في مطالبهم بضرورة محاكمة المسؤولين الذين تلطخت ايديهم بدماء الشعب العراقي في هذه المظاهرات.
- الدعم الدولي والاقليمي والداخلي الذي تتلقاه المظاهرات من الناحية المادية والمعنوية ناهيك عن التنظيم الذي تتمتع به هذه المظاهرات في الشعارات واصدار البيانات والاستمرارية، تمثل دعائم في سبيل الدوام والمواظبة.
ان المشهد السياسي العراقي مفتوح امام كل الاحتمالات وقد بدأت بعضها تلوح في الافق ولكن الاكثر وضوحاً هو ان المتظاهرين لن يستجيبوا لدعوات الحكومة لان مطالبهم اكبر من قدرة الحكومة والطبقة السياسية على تلبيتها، والمرحلة التالية لعدم الاستجابة تكمن في الفوضى ودخول اجندات خارجية او ما يسمى بالطرف الثالث والرابع على الخط والبدء بحرق مؤسسات الدولة وسرقة ممتلكاتها وبالتالي ربما الذهاب الى حرب اهلية طاحنة تأكل الاخضر واليابس وقد تستمر هذه الفوضى لأشهر.
وبعدها ربما تأتي المرحلة الثالثة وهي التقسيم الى اقاليم وسيكون عندها هذا السيناريو مستحباً بعدما كان مكروهاً وحراماً، بل قد يكون الحل الامثل لإخراج العراق من دوامة العنف وان الظروف السياسية والاقتصادية الدولية والداخلية ستكون مهيأة للتقسيم ومنها تشكل اقليم الانبار الذي يمتلك كل مقومات الاقليم في ظل وجود قاعدة عين الاسد للقوات الامريكية وإلحاق مدينة موصل وكركوك باقليم كوردستان باعتبارهما البعد الامني والاقتصادي والسياسي له وبذلك ستنهي مسألة المناطق المتنازع عليها، وستكون الأقلمة حجر عثرة في وجه الهلال الشيعي الايراني وخاصة ان اهل الانبار والموصل وغيرها من المناطق السنية لم تشارك في هذه المظاهرات الاخيرة.
ان مشروع تقسيم العراق قديم وقدم من جهات عديدة ويراه البعض الحل الامثل للوضع العراقي ولكنه يبقى مجرد رأي لا يخرج عن إطار التحليل والمتابعة اليومية للأحداث مع قراءة الماضي القريب.
اضف تعليق