التظاهرات وسيلة للتعبير عن الرأي للضغط لتحقيق مطالب معينة، كلما كثر نشاطها واتسعت دائرتها فسيقوي منها ويُعجل بتحقيق اهدافها فالمظاهرات وسيلة وليست هي الغاية. ركزوا على مطالب لإنقاذ البلد بمفوضية جديدة مستقلة فعلياً وانتخابات بمراقبة دولية ضخمة بعد تعديل قانون الانتخابات ومن ثم تنتهي التظاهرات...
كثرة التركيز في الفترة الحالية على منشورات الشهداء المغدورين وصور القتل والدماء وحوادث العنف في التظاهرات العراقية التي اندلعت في تشرين الأول ٢٠١٩، كل ذلك سيزرع بالنفس غريزة طلب الثأر والغضب وعن طريقها سيسهل تمرير الشائعات والتلاعب بالمشاعر وكذلك سيستسهل بعض الناس ارتكاب عمليات عنف مضاد أو تبرير العنف أو تقبله أنه شيء مقبول سلبي.
قلت كثرة التركيز وليس الاتيان على ذكرهم.
بل حتى يصل لارتكاب أو قبول حصول حوادث عنيفة بشعة كتمثيل بجثة وتصويره لأنه بنظر البعض عنف مبرر او مقارنة بعنف غيره او لماذا سكت أحد عن عنف قبل هذا العنف وغيرها من طرق التفكير التي تصب في خانة الغضب والثأر والحقد والكراهية.
قد سكنت عقول الناس صور ومنشورات عنف بحق متظاهرين وشهداء فصار من السهل طلب الثأر من اي أحد حتى ولو بنشر اشاعة او خبر مفبرك او بصورة متلاعب بها او فديو قديم يبث انه حصل في واقعة حديثة او فديو حقيقي او صورة حقيقية يتلاعب بتفسيراتها ايضاً.
وحتى في النقاشات صار من السهل رمي تهم الخيانة والعمالة والجهالة والتبعية وغيرها لمجرد خلاف في الرأي.
صار الخلاف في الرأي يتلف الود ويخرب النفوس ومنهم من يتكلم بعصبية وبتشنج ومنهم من يستخدم عبارات بائسة وغاضبة وحقيرة ومنهم من يستند لمعلومات كاذبة ومزيفة وملفقة وعندما ينتهون جميعاً يرددون المقولة التافهة (الخلاف لا يفسد في الود قضية)!!
كل ذلك يجعل من القتل والعنف والشتم والقاء التهم والغضب مسألة فيها تبريرات بل فيها وطنية!
إن أسهل طريق للوقوع بالنفاق هو التبرير.
ولكي لا يصبح الغرض من التظاهرات مجرد عملية تنفيس غضب أو فك غلّ النفوس فيجب التركيز على مطالب المظاهرات العظمى التي سترسم مستقبل بلد وجيل بأكمله.
أليس غرض المظاهرات إصلاح الوضع السياسي والخدمي والمعيشي في العراق ام صار غرض التظاهرات هو تظاهر لغرض التظاهر فقط؟!
تظاهر لغرض ترديد الهتافات أياً كانت او النقاشات الجانبية او الاشتباك.
تظاهر لغرض أهداف حتى أن بعض المتظاهرين البسطاء لا يفهم وسائلها واليات تنفيذها.
تظاهر لغرض الفيسبوك وتويتر وانستغرام وواتساب.
لا يوجد بلد في العالم فيه ثروات كبيرة وفساد كبير مثلما في العراق وبنفس غزارة ثرواته الهائلة فكذلك كم الفساد فيه غزير وهائل.
لا يوجد بلد فيه إهمال خدمي وبيئي وصحي واجتماعي وتعليمي رهيب مثلما في العراق. إهمال متعمد ومن سيء إلى أسوأ حتى صار العراق في حضيض ترتيب دول العالم سمعة سيئة تلازمه.
لا يوجد في العالم اجتماع طبقات سياسية مختلفة ومتعارضة فكرياً ولكن فيها مشترك يربطها ببعض بمحاصصات توزيع مناصب فاسدة وبتمرير صفقات وقوانين فاسدة مثل ما في العراق.
لا توجد في العالم طبقة سياسية فاسدة لا تعترف بخطئها وترمي التهم على غيرها مثل ما في العراق.
لكن هنالك ثغرة مهمة يجب عن طريقها الدخول للإصلاح وهي الانتخابات بعد الضغط لتشكيل مفوضية جديدة مستقلة كلياً وتعديل قانون الانتخابات ليكون اكثر انسيابية مناطقياً وفردياً لتمثيل رقع جغرافية بعينها ومن ثم حل البرلمان لنفسه واجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي كبير ومباشر من الأمم المتحدة.
التظاهرات وسيلة للتعبير عن الرأي للضغط لتحقيق مطالب معينة مثلما الإضراب عن العمل أو الطعام والكتابة والرسم والحملات الاعلانية والندوات وغيرها. نعم، كلما كثر نشاطها واتسعت دائرتها فسيقوي منها ويُعجل بتحقيق اهدافها فالمظاهرات وسيلة وليست هي الغاية.
ركزوا على مطالب لإنقاذ البلد بمفوضية جديدة مستقلة فعلياً وانتخابات بمراقبة دولية ضخمة بعد تعديل قانون الانتخابات ومن ثم تنتهي التظاهرات والاضرابات وتعود الحياة لمجاريها ولينتخب الناس بحرية من يريدون.
ماعداه فسيتم تشتيت الانتباه والتلاعب بالعقول وبث الإشاعات ونشر الفتن وكثرة النقاشات الجانبية والنتيجة طول مدة التظاهرات ومن ثم انحدار هيبتها وكثافتها من دون تحقيق نتيجة كبيرة سوى استقالات لبعض المسؤولين ومن ثم تصبح المظاهرات باهتة ومملة.
تذكروا ان أكثر الفساد هو الفساد المستشري في دوائر الدولة في المحافظات كافة وليس الفساد في الوزارات فقط. فالتغيير المنشود تغيير جذري وكبير وبالانتخابات يكون الحل.
ولكن لو لم يشارك كل الناس بالانتخابات القادمة المفترضة او فاز من هو ليس كفوء، أو أعاد بعض الناس انتخاب نفس السياسيين والمسؤولين من نفس دائرة العملية السياسية التي حكمت العراق أو انتخبوا اخرين غيرهم ولكن طاعتهم لنفس تلك الجهات التي مارست العمل السياسي في العراق سابقاً فعندها يجب احترام رغبة الناخبين بكل حرية وبكل ادب ولا يلومن الشعب الا نفسه وليتظاهر ضد نفسه هذه المرة وليضرب راسه بألف حائط على طريقة تفكيره تلك وليقمع شعب نفسه بنفسه من دون الحاجة لشرطة مكافحة شغب.
اضف تعليق