في مجرى الدعوات الى احداث اصلاحات او تغييرات سياسية في العراق، مثل الانتقال الى النظام الرئاسي، او تقليل عدد النواب، وغير ذلك، نلاحظ وجود نمطين من هذه الدعوات: نمط يدعو الى الاصلاح في اطار الدستور، ونمط يدعو الى التحرر من قيود الدستور واجراء الاصلاحات المطلوبة خارجها...

بتبسيط غير مخل، لنعتبر ان الشرعية الدستورية هي وصف يطلق على اي اجراء او اقتراح تغييري يتم وفق الدستور النافذ في البلد، في حين ان الشرعية الثورية هي وصف يطلق على ذلك الاجراء او الاقتراح الذي يتم خارج اطار الدستور، وخلافا لالياته.

وايضا، لابد ان نوضح ان "الدستورية" هي من اوصاف الدولة الحضارية الحديثة، بمعنى ان اجراءات هذه الدولة تتم وفق دستورها وقوانينها النافذة. وهذا ما يميزها عن الدولة التقليدية غير الحضارية، وهي الدولة التي تكون فيها ارادة الحاكم فوق الدستور والقانون، والتي يمكن اجراء التغييرات فيها عن طريق الفرض او الانقلاب العسكري او اية طريقة اخرى لا تتبع دستور او قانون نافذ.

في مجرى الدعوات الى احداث اصلاحات او تغييرات سياسية في العراق، مثل الانتقال الى النظام الرئاسي، او تقليل عدد النواب، وغير ذلك، نلاحظ وجود نمطين من هذه الدعوات: نمط يدعو الى الاصلاح في اطار الدستور، ونمط يدعو الى التحرر من قيود الدستور واجراء الاصلاحات المطلوبة خارجها. سنطلق على النمط الاول: الشرعية الدستورية، والنمط الثاني الشرعية الثورية.

وكما هو متوقع، فان مواقف الناس من مسالة شرعية التغيير (دستورية او ثورية) متباينة.

فهناك من يدعو الى التمسك بالشرعية الدستورية، واجراء الاصلاحات المطلوبة في اطار الدستور، وتحت سقفه، وبموجب مواده.

ويبدو من متابعة خطب المرجعية الحكيمة انها تؤيد هذا الاتجاه حيث تحدثت في الجمعة الماضية عن "المدخل المناسب لتجاوز الأزمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور".

وفي مقابل هذا الموقف هناك من يدعو الى الشرعية الثورية رأسا بدون الحاجة الى التوقف في محطة الشرعية الدستورية. وهذا ما لمسته من صديقي الكاتب اياد السماوي الذي يتبنى بقوة الشرعية الثورية.

اما انا فقد اخترت موقفا مشروطا من الشرعية الدستورية، وبينت ذلك في مقال سابق لي قلت فيه: "انني مع الطريق الدستوري ما دام ممكنا، فان تعذر ذلك، فلابد من الطريق الثوري. وليس عندي عقدة سياسية من الحل الثاني اذا تعذر الاول."

وهناك عدة اسباب لتفضيلي الطريق الدستوري منها:

اولا، انه يتواصل مع الشرعية الدستورية المتحققة منذ استفتاء عام ٢٠٠٥. وهو استفتاء لم تشبه شائبة تطعن في شرعيته.

ثانيا، انه يراكم الخبرة السياسية للمجتمع، وهذا ضروري لتقدم المجتمع.

ثالثا، انه اقل كلفة من الطريق الثوري، من حيث الجهد والدم.

ولهذا اقترحت منذ البداية تطبيق المادة ٦٤ على ان يسبقها تشريع قانون الانتخاب الفردي واعادة هيكلة المفوضية العليا للانتخابات.

ومثل هذا الحل الدستوري في وقتها تحقيق ثلاثة اهداف في وقت واحد: حل البرلمان، واستقالة الحكومة، واجراء انتخابات مبكرة. كل ذلك في غضون ٦٠ يوما، وبدون اراقة دماء.

لكن سلوك هذا الطريق والتمسك به يبقى مشروطا بامكانية تحقيق الاصلاح من خلاله.

فاذا تعذر تحقيق ذلك، وثبت ذلك بالدليل القاطع، فعند ذاك سوف يطرح الطريق الثوري نفسه على طاولة البحث. لكن الانتقال من الشرعية الدستورية الى الشرعية الثورية، يتطلب، بعد التاكد من استحالة الاولى، توفر الشروط الموضوعية لامكانية تحقيق الاهداف المطلوبة عن طريق الشرعية الثورية. وهذا يتطلب ايضا تحديد مفهوم الشرعية الثورية وتعريفها بشكل علمي ودقيق، وبيان كل متعلقاتها بما في ذلك تحديد مصدرها، هل هو الشعب بصورة عامة، ام الفئة الثائرة منه. وهذا كما هو معروف موضوع بحث ونقاش لا احسب انه انتهى. وربما اعود مستقبلا لاثارة النقاش والتفكير حول شروط الانتقال الى الشرعية الثورية ومدى توفرها الان.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق