ما عاد وزن البلدان يُقاس بما تملك من ثروات في باطن الأرض، بل بما لديها من ثروة بشرية مؤهلة، وهي الضمانة الأكيدة للارتقاء بالأوطان وتحسين نوعية الحياة، والتأهيل يعني اكساب المجتمع الخبرات والمهارات والمعارف ومواكبة التطورات المتسارعة في حركة العلم، ولكي تمسك الدول بناصية الغد المشرق استثمرت الشباب...
ما عاد وزن البلدان يُقاس بما تملك من ثروات في باطن الأرض، بل بما لديها من ثروة بشرية مؤهلة، وهي الضمانة الأكيدة للارتقاء بالأوطان وتحسين نوعية الحياة، والتأهيل يعني اكساب المجتمع الخبرات والمهارات والمعارف ومواكبة التطورات المتسارعة في حركة العلم، ولكي تمسك الدول بناصية الغد المشرق استثمرت الشباب وأولتهم بالغ عنايتها بوصفهم قوى الانتاج وعماد المستقبل، وأثمر ذلك عن بلوغ بعض الدول مراتب متقدمة.
بينما ظلت التي تنظر الى باطن الأرض في مؤخرة السرب، كما هو حال بلادنا التي فرطت اداراتها المتعاقبة بالشباب المؤهل منهم وغير المؤهل، وجعلتهم نهبا للحروب والبطالة والمعتقلات على مدى عقود، ولم تفكر يوما بشكل حقيقي بالحفاظ على هذه الطاقة الحيوية، والتأسف لهدرها بما لا طائل منه. وبدل أن تتحس معاناة الشباب وتبحث عما يرفع الحيف عنهم، تقابلهم بالقمع والقتل عندما ينتفضون تعبيرا عن واقع ما عاد يُطاق.
فهل أسوء من ادارة تنفق الملايين على التعليم وترمي نتائجه الى الشارع، ولا تفكر في كيفية استرجاعها بالإنتاج لتنفقها في مجال آخر، وهل أقسى من شباب يتسكع في الأزقة بلا عمل، وبعد اليأس والاحباط يرتمي بعضهم في أحضان الانحراف والتطرف والجريمة، وهل أسوأ من انهاء حياة أكثر من 300 شاب وشابة في شهر واحد والمعتقلين بالآلاف بدلالة اطلاق المحاكم سراح2400 معتقل، ولا نعرف كم بقي رهن الاعتقال، او أعداد الذين اصيبوا بعوق جسدي ليضيفوا عبئا جديدا لما يعانيه المجتمع من أعباء متراكمة، بينما الحكومة وأحزابها تنظر ببرود لما يجري، بل ويبتكرون ذرائع زائفة لتبرير ما يحدث، مرة بالطرف الثالث، واخرى بالبديل المقبول، وثالثة بتخويف الناس بالنموذج السوري.
الذي يريد بناء البلاد حقا، ويحرص على تقدمها، عليه ان يقارن من لحظة انطلاق الانتفاضة بين المكاسب التي تتحقق من بقاء الحكومة وحجم الخسائر المحتملة بين الشباب، وفي ضوء نتائج المقارنة يتخذ القرار، فما خسرناه من شباب لا يعادله استقالة الحكومة، بل وتغيير النظام برمته، لكن يبدو ان أحزاب السلطة غلّبت مصالحها على صون حياة الشباب، واتخذت من عبد المهدي ساترا للدفاع عن بقائها.
علينا أن ندرك بأن مستقبل البلاد مرهون بشبابها، ولاسيما الشباب المؤهل الذي توافر على حصيلة علمية، فمن غير المعقول ألا توظف هذه الطاقات لخدمة التنمية، وتستنزف في أعمال بدائية لا تمت بصلة لإمكانياتها ومجالات تخصصها، وما يترتب على ذلك من اهانة لكرامتها واذلال لشخصياتها، فمن مسؤوليات الحكومة ايقاف الاستنزاف على أقل تقدير لحين توفير فرص العمل اللائقة.
وأرى ان السبيل لذلك يكمن في تخصيص مبلغ مالي معين لكل شاب من خريجي الكليات يسد الحد الادنى من احتياجاته على سبيل القرض يسدد عندما توفر الحكومة له فرصة عمل سواء في القطاع الحكومي أم القطاع الخاص عبر مجلس الخدمة الاتحادي المركون على الرف، او مكاتب التشغيل التي يفترض تفعيلها، ولكي لا تتسلل مخالب الفساد لهذا المشروع، فالقوائم جاهزة لدى وزارة التعليم العالي، وبذلك نضمن عدم انحراف الشباب بسبب العوز، او الشعور بعدم جدوى الشهادة الدراسية، اما كيف تُوفر الأموال، فهذه مسؤولية الحكومة التي رضيت ان تتصدى لإدارة بلد ثري يعد من أغنى بلدان المنطقة.
ادرك تماما ان الحكومة غير قادرة على تنفيذ هذا الاقتراح، لما تعانيه الميزانية من عجز متفاقم، وحجم المديونية الذي يربو على 130 مليار دولار، واشتراطات صندوق النقد الدولي، ولكنها قبلت أن تتحمل وزر التركة الثقيلة التي ورثتها من الحكومات السابقة بحسب تعبير السيد رئيس الوزراء الذي لم نتوقع منه زج نفسه في مشروع فاشل من أوله، فهو أدرى من غيره بطبقة سياسية أثبتت الوقائع انها لا تعرف من ادارة الدولة سوى سرقة المال العام وركوب السيارات الفاخرة، ومع هذه المعرفة اليقينية يجاهد عبد المهدي بكامل قدراته لإنقاذها من طوفان الارادة الشعبية، بينما يضحي بالشباب، وأي شباب، ذلك المتوثب للمستقبل والحالم باستعادة وطنه واسترجاع هويته، وليس أمام من يفرط بالشباب سوى عض الأصابع، وليس ذلك ببعيد.
اضف تعليق