غالبا ما يبدو السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي زاهدا بالمناصب ومنشغلا بالفكر السياسي والاقتصادي، ولم يتضح من مسيرته انه قائد ميداني مؤثر في الجماهير وله قدرة تحريكها نحو الأهداف التي يدعو لها، برغم معرفته بعلل العملية السياسية منذ ولادتها، بل ان مضمون ما تصدح به حناجر جماهير...
غالبا ما يبدو السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي زاهدا بالمناصب ومنشغلا بالفكر السياسي والاقتصادي، ولم يتضح من مسيرته انه قائد ميداني مؤثر في الجماهير وله قدرة تحريكها نحو الأهداف التي يدعو لها، برغم معرفته بعلل العملية السياسية منذ ولادتها، بل ان مضمون ما تصدح به حناجر جماهير ساحة التحرير كان قد تطرق اليه في لقاء صحفي مع المتكلم في منتصف عام 2008 وكان عارفا ان هذه العملية لن تنتهي سوى الى الفشل، وكان قد اقترح حلولا للكثير من هذه العلل في مقالاته الافتتاحية التي كتبها في جريدته (العدالة) ومن بين ما قاله في ذلك اللقاء ان العملية السياسية لن يرقى لها حال ما لم تتخلص من المحاصصة، لكنه كغيره تلوث بهذا المستنقع الآسن عندما استلم مناصب رفيعة في الحكومات المتعاقبة بدءا من حكومة علاوي، واستسلم لها تماما عندما كلف برئاسة الوزراء، فاذا به يوغل بالمحاصصة أكثر من الذين سبقوه، الى درجة انتظر أشهرا ترشيحات الكتل والأحزاب لبعض الوزرات، وكنت أظن ان الشروط التي فرضها على الكتل الفائزة في الانتخابات للقبول بمنصب رئاسة الوزراء سيكون أولها اطلاق يده في اختيار فريقه الحكومي بعيدا عن المحاصصة، لكنه خيب الآمال، ما جعل فشله متوقعا حتى لدى أبسط المراقبين .
والآن والأزمة على أشدها، بينما الهروب من مواجهتها طبع سلوك جميع الفاعلين السياسيين الذين بدا انهم فقدوا السيطرة على مجرياتها، في حين بلغ زحف الجماهير أبواب المنطقة الخضراء، ولا ندري ما ينتظرون؟ والى أين تتجه بنا الأزمة؟ ان ادارة الأزمات فن يقتضي مهارة فائقة، ومتابعة حثيثة، وقرارا سريعا، ذلك ان للأزمة ظروفها ومناخاتها ومراحلها وضغوطاتها وأولها ضغط الوقت، لكننا لم نتلمس ادارة واضحة لهذه الأزمة، باستثناء خطابات متباعدة للرئاسات الثلاث افتقدت قدرتها على التأثير، فالأزمة تتصاعد بوتيرة متسارعة، والادارة مفقودة بدلالة عدم تشكل فريق لإدارتها، والكل ينتظر ما تجود به قريحة رئيس الوزراء الذي لم يفرط بقيلولته المعروفة ليطلق خطاباته عند منتصف الليل.
ادارة كهذه لا يمكنها حلحلة الأزمة والعودة بالامور الى طبيعتها، وبالتالي ستذهب بنا الأزمة الى منطقة غير مرغوبة، لا من أصحاب العملية السياسية، ولا من الجماهير المحتشدة في ساحة التحرير، وهذا ما تريده أطراف دولية عديدة غلب السكون على حركتها ما يشير الى رضاهم عن الوضع الراهن للازمة، باستثناء طهران التي فوجئت بتحول دراماتيكي لاتجاهات الشباب ازاءها، والذي كشف عن رأي عام كامن في الوسط الشيعي وربما ضعفه في الوسط السني والذي لم تدركه طهران فيما مضى، او ظنت ان نفوذها القوي سيمكنها من السيطرة عليه في حال اندلاعه.
ان قيادة البلدان وادارة الأزمات بحاجة لبطولة تقنع الجماهير وتستجيب لحاجاتهم، والذي ليس لديه رغبة بالبطولة عليه ألا يقحم نفسه في منطقة مكتظة بالألغام كالعراق، ومع ذلك فلو كان عبد المهدي حكيما، ويتسم بالقدرة على اقتناص الفرص، فان هذه الأزمة منحته فرصة أخيرة لا وجود لغيرها، لكي يغير مسار العملية السياسية، ويكفر عن أخطائه وأولها خطأ القبول بمنصب رئاسة الوزراء في زمن المحاصصة.
ليكون بطلا ويستثمر الزخم الجماهيري المتذمر، وعدم قدرة المنافسين على الكلام، فيتخذ قرارا شجاعا بتغيير وزاري شامل، ويشكل حكومة مصغرة لا يستفتي بها أحدا سوى الجماهير، ويدير ظهره لجميع الكتل والأحزاب، ويتعهد للجماهير بأنه سيستقيل خلال مدة وجيزة ريثما تكون الامور طبيعية، وبذلك يرمي كرة النار في ملعب الأطراف التي نحت بنفسها جانبا عندما اشتد اوار الأزمة.
ولن يكون بمقدورها الاعتراض على اجراءاته، ولا أحد يسمع لها، وأولها الكتل الكبيرة في البرلمان، وبهذا ينأى بنفسه عن تحمل تراكمات الفشل التي وُضع فيها في غفلة منه. اما المراهنة على الوقت او انتظار النصائح من خارج الحدود او التزمت في مراعاة الشركاء الذين افتقدوا شرعيتهم منذ اعلان نتائج الانتخابات المزورة، وتعززت بأصوات الجماهير الهادرة في ساحات التظاهر، فان هذه المراهنة لن تفضي الا لمزيد من الدم الذي يتحمل وزره امام الله تعالى والقانون.
اضف تعليق