q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

قراءات تشرينية

لا يوجد عراقي طبيعي لا يقف مع المظاهرات الشعبية الواسعة التي تطالب بالتغيير والاصلاح ومحاسبة الطبقة السياسية التي حكمت العراق خلال ستة عشر عاما بكل مسمياتها وعناوينها، حتى من هم في مؤسسات الدولة وصامتون الان لاسباب تتعلق بمواقعهم وظروفهم الخاصة هم متعاطفون مع هذه المظاهرات...

لا يوجد عراقي (طبيعي) لا يقف مع المظاهرات الشعبية الواسعة التي تطالب بالتغيير والاصلاح ومحاسبة الطبقة السياسية التي حكمت العراق خلال ستة عشر عاما بكل مسمياتها وعناوينها، حتى من هم في مؤسسات الدولة وصامتون الان لاسباب تتعلق بمواقعهم وظروفهم الخاصة هم متعاطفون مع هذه المظاهرات، مظاهرات الشباب التي ازاحت الحجاب عن فساد المؤسسات والاشخاص الحاكمين، عن الدستور المتعفن الذي خرقوه ويدعون الناس للتمسك به، عن الفساد والنهب والاستيلاء على الوظائف و الاراضي، عن المتاجرة بدماء الشهداء، وغير ذلك من مؤشرات انهيار الدولة والمجتمع التي لاتعد ولا تحصى، جميع العراقيين يحتج على ذلك من خرج مطالبا بالاصلاح ومن لم يخرج لدواع شتى.

الحكومة العراقية لم تحترم هذا الهياج الشعبي المتنوع، مظاهرات الشباب والاطفال والنساء والطلبة والمدارس والصم والبكم وحتى رجال دين ناقمون وافراد من الجيش الذي يتضح جليا انه ليس ضد المظاهرات لكنه منضبط تجنبا لتدهور الموقف بانتظار معالجة حكومية حكيمة لن تحدث ابدا على ما يبدو.

القرار الصريح الذي يمكن استخلاصه، هو شعور الدول المجاورة وتحديدا ايران بأن أيّ نجاح ولو نسبي لتظاهرات العراق كفيل باندلاعها في بلادهم وربما في بلدان اخرى لهم فيها نفوذ، ولذلك اعتبروا هم ومن يواليهم من العراقيين ان تظاهرات الاصلاح العراقية انما تهدد وجودهم ويجب قمعها باي صورة كانت وعدم تلبية أي من مطالب المتظاهرين مباشرة. لذلك لم تعد استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في جيبه كما يردد دائما، بل استلمها اخرون لن يقبلوا بمنح المتظاهرين هذه الاشارة التي ترفع رؤوسهم رغم رمزيتها حيث لم تعن شيئا.

اي قراءة محايدة لطبيعة هذه التظاهرات ترى انها لن تتوقف، بل هي فاصلة بين مرحلة واخرى، واي رهان على قمعها بالقوة خطأ استراتيجي تاريخي، فهي ليست مظاهرات سياسية وفي جوهرها لا تريد اسقاط النظام الاساسي الذي قدم الشباب دماءهم من اجل استتبابه، بل هي مظاهرات وجودية نتيجة تراكم الاداء السيء والفساد والقرارات الاستفزازية وخلافات السياسيين التي فضح بعضهم فساد بعض، والسكوت عن التخريف والكوميديا وانتشار خطباء منابر جهله فضحت طروحاتهم المهينة للعقيدة والدين والائمة، والروايات المضحكة التي انتشرت في وسائل التواصل، كل هذا خلق جيلا ضائعا بين الحقيقة والوهم، جيل اراد الاحتجاج بطرق مختلفة، قبل ان يفل الله عقدة لسانه ليقول : نريد وطن.

لن تتوقف التظاهرات لانها ليست من جيلنا، جيل الخوف والتردد والتسويات وعبادة الانتماءات وشخوصها، جيل الخوف الذي انتهت فاعليته عام 2000 وابتلع هو ورموزه الطعم الامريكي الذي (أسقط صدام ورفع الحصار) وترك السلطة لمن هو اقوى قبضة في البلاد، هذا الجيل لاثورة له بعد اليوم.. تبعه 2000-2020 جيل الخديعة الذي اكتشفها مبكرا ويثور عليها، وسيتبعه جيل اخطر هم ابناء المتظاهرين الشباب اليوم، جيل مقبل متحرر من الخوف والخديعة معا، فاي مصالح ستضمن لذلك الزمان في ظل الحماقة التي تدار بها الاحداث الآن؟

**.

ليس من صالح اسرائيل أو اي عدو تقليدي التغيير في العراق، لان وضع العراق بالنسبة لهم وضع مثالي حيث الانقسام الحاصل والاحتراب بين المسلمين على اراضيهم والذي يعطل الدولة ويغيّب التعليم وينشر البطالة ويقوّض الصناعة والزراعة ويشتت الاموال وكفاءات المجتمع ويجعل من علوم وفنون وثقافة هذا البلد العملاق هامشية امام ثقافة الخوف والتخريف والروايات المختلقة، يجعلهم يكسبون حربا دون ان يدخلوها، وهو ماسمونه ( الحرب الصفرية ) اي الحرب التي تكسبها وتكاليفها بالنسبة لك صفر.وعليه فان شيطنة التظاهرات والحرب على ابناء البلد بهذه الطريقة انما هي جريمة اعلامية وجنائية في الوقت نفسه لن تصب باي شكل من الاشكال في صالح الدولة وحتى النظام القائم فيها.

مع تصاعد اعداد الشهداء تبدو حتى المطالب التقليدية لامعنى لها، لذلك فالزمن الذي تراهن عليه الطبقة السياسية ليس في صالحها، بل سترتد عليها بقوة ويتحول العراق الى دولة مدمّرة يخسر فيها الجميع، فنحن اليوم لانشبه اي دولة لكي تقاس الامور على مايجري فيها، لذلك يجب انقاذ مايمكن انقاذه، والتضحية برموزالطبقة السياسية الحالية الاساسيين واتخاذ اجراءت وطنية كبرى ابرزها محاكمة الفاسدين الكبار ومحاكمة قتلة المتظاهرين وتغيير قوانين ودستور وغير ذلك مما اشرنا له سابقا واشار له اخرون مخلصون قبل فوات الاوان،على الطبقة السياسية ان تنقلب الان من تلقاء نفسها،قبل ان تنقلب البلاد بهم وبالناس جميعا، وتضحيات الشعب تستأهل اكثر من ذلك.

حتى الان المؤسسة العسكرية من جيش وشرطة ومكافحة ارهاب وحشد شعبي في ظاهر الامر وعبر البيانات مؤسسات منضبطة لم تتورط بالدماء، فاذا كان الامر كذلك من هم هؤلاء الملثمون الذين يرافقون الجيش والشرطة دون يوقفوا جرائمهم ؟ الملثم مجرم، والملثمون الذين لاهوية لهم كما تحاول الحكومة ان توحي بذلك وايديهم مطلقة في اطلاق النار على الابرياء بشكل عشوائي اوقعوا مئات الشهداء، اذا كان رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة شاهد ذلك من مخدعه، فكل مايجري خرق للدستور استخدام سلاح الدولة ضد الشعب، والمعاقبة على العصيان المدني وفض التظاهرات بالقوة، هذه الانتهاكات يعرفها المتظاهرون لانهم قراو الدستور وصدقوه وهاهم يذبحون، انتم الان لاتواجهون جيلا مترددا لايثق بكم اساسا، بل بجيل صدقكم وصدق كل ماقيل من خطابات وتعبئة ووعود، وهو ينتفض على نفسه لانه صدقكم وليس عليكم فقط، بمعنى انكم تواجهون ثقافة جديدة لن تنقطع بسهوله وليست مواقف منفعله طارئة.

المتظاهرون سلميون ويجب ان يبقوا سلميين الى اخر المنازلة، لان السلمية هي السلاح الشعبي الواسع الذي يكسب تعاطف العالم كله مع قضيتهم، واذا ماحدث خرق لهذه السلمية هنا او هناك كفعل فردي او ردة فعل على القمع الرسمي، فهذا لايعطي الحق للنوع الاخر من من الملثمين القابعين وراء وسائل التواصل الذين يدعون المتظاهرين الى أحراق الآبار وايقاف النفط وتعطيل الحياة بالقوة، انهم يدفعون الشباب للموت أمام قوات تبحث عن مزيد من الذرائع، ويحطمون سلمية التظاهرات لأن الملايين التي تتظاهر ليست كلها قادرة على استخدام القوة. أتعجّب فعلا من أصوات تصرخ اقطعوا النفط أحرقوا الآبار كي ينتبه العالم الى قضيتكم حين تتعطل مصالحه ! عجيب فعلا أن هذه الاصوات تعيش في دول لو تحرك شخص ضد بوابة بنك أو مركز عام واستخدم القوة لووجه بالقوة ايضا. دعوا الموقف يقدره المتظاهرون والعنف للحكومة فقد تورطت بدماء المتظاهرين السلميين اليوم، والمظاهرات السلمية الدائمة والعصيان المدني القانوني هما الكفيلان بتغيير كل شيء.

أخيرا هذا اخر تعليق لي على خطابات وأحاديث السيد عادل عبد المهدي لانه فعلا كمن يعزف البيانو في سوق الحدّادين، الدنيا مشتعلة ورؤوس الشباب تتساقط والحرائق ومسيل الدموع دخل المستشفيات وقتل المواليد الجدد، والنساء تختطف وتختفي في دهاليز الجماعات المسلحة دون ابسط توضيح، وهو يحاول تبرئة الجناة الملثمين المنفلتين في شوارع العراق، منشغلا في حديث اليوم بارسال رسالة الى الامريكان الذين ارعبهم انتقاده، ليقرا لهم من قوانين سلطة الائتلاف التي شكلوها ابان الاحتلال عن ضوابط التظاهر، مبررا للامريكان لماذا يَقتل أبناءه ! ياللموقف ! انها ماساة فعلا، الرجل لايصلح لان يتعامل مع ازمات بهذا الحجم، بقي منحنيا للجميع الا لشعبه، فتضخمت الفاتورة التي يجب ان يدفعها، فاتورة من الدماء لايمكن ان يدفعها متبرعُ عنه.فقد اقترب اليوم الذي يرى فيه / مأزق الانسان حين يترك وحيدا.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق