١٦ سنة من عمر هذا النظام الهجين قدمت الدليل العملي على ان الطبقة السياسية الراهنة جزء من المشكلة ويصعب تصور اي حل يمر من خلالها، الا إذا تحدثنا عن عملية جراحية كبرى تتم عبر تطبيق المادة ٦٤ من الدستور لتجنيب البلاد حلولا لا تتم تحت سقف الدستور...
هل مازال بإمكان الطبقة السياسية الماسكة بأزمة الدولة العراقية تحقيق الاصلاح الشامل واخراج العراق من ازمته الراهنة؟ المرجعية الدينية العليا قالت في كلمتها ليوم الجمعة الثامن من شهر تشرين الثاني ٢٠١٩: "إنّ أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للاستجابة لمطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفّذ في مدة زمنية محددة"
ويحتمل هذا النص تفسيرين:
التفسير الاول: ان "القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة"، وهي على المستوى الشيعي كتلة سائرون وكتلة الفتح بشكل اساسي، مازالت تملك "فرصة فريدة" للسير وفق "خارطة طريق متفق عليها"، للخروج من الازمة الراهنة.
والتفسير الثاني: ان هذا النص بمثابة انذار نهائي لقوى السلطة ان تستثمر الفرصة الحالية، خلال مدة زمنية محددة، وبخلافه، فان المرجعية قد تعلن في خطبة لاحقة، ان القوى المعنية فشلت في ذلك، الامر الذي سيدق المسمار الاخير في نعش هذه القوى، بل في نعش نظام المحاصصة الذي قام بعد سقوط النظام الدكتاتوري.
قليلون، ربما، يوافقون على ان قوى السلطة تملك فعلا ان تقدم حلا، او ان تكون جزءً من الحل. فقد اتضح خلال الاربعين يوما الفائتة، ان هذه القوى، برجالها ومؤسساتها، لا تملك حلا، وان نظرتها للتعامل مع الاحداث الجارية تتراوح بين نظرية المؤامرة من جهة، و المعالجة الامنية للاحداث من جهة ثانية، فضلا عن الالتزام المسبق بمصالح فئوية تشكل قيدا على كل تفكير حر بحل سليم. فعلى مدى اربعين يوما لم يقدم رجال الطبقة السياسية سواء كانوا في مواقع رسمية في الدولة او لم يكونوا، محتوى قادرا على ان يكون حلا او مفتاحا للحل. والانكى من ذلك، ان ما صدر عنهم من قرارات وخطب واحاديث ومقترحات و "مبادرات" كشفت كلها عن حالة انقطاع كلي عن "نبض الشارع"، او هموم المواطنين المتظاهرين، على الاقل.
بهذه المظاهرات او بدونها، فان النظام السياسي الحالي بحاجة الى اصلاح جذري. كلمة "الاصلاح" تشمل اي شيء مما يطالب به المتظاهرون السلميون، لكن كلمة "جذري" تعني معالجة عيوب التاسيس، وهذا ما لايرد كثيرا في شعارات المتظاهرين. عيوب التاسيس هي التي اوصلت العراق الى الحال التي وصل اليها الان، وفي مقدمة هذه العيوب: المحاصصة، والانحراف الكبير عن المسار الديمقراطي، الذي "كفّر" الناس بالديمقراطية، وهذه مشكلة كبيرة. صحيح ان الدستور يقول ان العراق دولة ديمقراطية برلمانية اتحادية، الا ان الواقع غير ذلك، فالنظام السياسي تلفيقي هجين، ومثل هذه الانظمة لا تستطيع ان تقوم بخدمة الناس بالشكل الامثل، حيث تتراوح علاقتها بالناس بين الزبائنية والقمع، وكلا الحدين لا ينفعان.
١٦ سنة من عمر هذا النظام الهجين قدمت الدليل العملي على ان الطبقة السياسية الراهنة جزء من المشكلة ويصعب تصور اي حل يمر من خلالها، الا اذا تحدثنا عن عملية جراحية كبرى تتم عبر تطبيق المادة ٦٤ من الدستور لتجنيب البلاد حلولا لا تتم تحت سقف الدستور، كالانقلاب العسكري، او الثورة الشعبية.
ومن هنا وجدنا بعض الناس وقد شعروا بخيبة امل من خطبة المرجعية اذا اعتمدنا هذا التفسير لانه يعني ان المرجعية مازالت تأمل خيرا بهذه الطبقة، وهو امر لا يتفق معها بشانه عدد كبير جدا من المواطنين حيث فقد هؤلاء كل ثقة بالطبقة السياسية الراهنة.
ولا يعالج حالة الاحباط والشعور بخيبة الامل الا الركون الى التفسير الثاني، على امل ان تقول المرجعية الدينية كلمتها الاخيرة في قادم الايام وتعلن انقضاء الفرصة الاخيرة.
اضف تعليق