لو أردنا مناقشة طريقة تعامل الحكومة والبرلمان وقراراتها الأخيرة مع مطالب التظاهرات العفوية التي عمّت معظم محافظات العراق مؤخراً لوجدناها حلول مؤقتة وارتجالية جاءت لامتصاص الغضب الجماهيري ونزع فتيل الأزمة ولم تكن حلولاً جذرية ولا خارطة طريق علمية صحيحة لأنهاء المشاكل المتفاقمة في البلد...
لو أردنا مناقشة طريقة تعامل الحكومة والبرلمان وقراراتها الأخيرة مع مطالب التظاهرات العفوية التي عمّت معظم محافظات العراق مؤخراً لوجدناها حلول مؤقتة وارتجالية جاءت لامتصاص الغضب الجماهيري ونزع فتيل الأزمة ولم تكن حلولاً جذرية ولا خارطة طريق علمية صحيحة لأنهاء المشاكل المتفاقمة في البلد، وما أريد التركيز عليه هو أحد المطالب الرئيسية للمتظاهرين وهي المطالبة بفرص العمل في ظل ارتفاع كبير ومخيف في نسبة البطالة في المجتمع العراقي، والحل هنا لا يكفي بأطلاق عدد من الدرجات الوظيفية في بعض الوزارات ولا يكفي بتخصيص رواتب بسيطة لبعض الآلاف من العاطلين ولفترة ثلاثة أشهر لأن هذه الاجراءات وقتية ولا تحل الا جزء بسيط من الأزمة وستبقى البطالة منتشرة وستبقى قوافل الخريجين الجدد تضاف الى قافلة البطالة في البلد وستستمر معدلاتها بالزيادة، وسيبقى الغضب الجماهيري مستمر.
ان الحكومة والطبقة السياسية برمتها يجب أن يستشعروا خطورة الأمر فهذه التظاهرات الأخيرة والتي كانت مستقلة وعفوية بمعنى الكلمة جاءت كجرس انذار لهم وعليهم أن يتوقفوا ويعيدوا ترتيب أوراقهم ويسارعوا الى وضع استراتيجيات علمية محكمة للقضاء على كل المشاكل المنتشرة في البلد ومنها قضية البطالة، والحلول المتوفرة كثيرة ولا تحتاج سوى النيّة الصادقة لتحقيقها ومنها:
1. وضع خطط تنموية وبتوقيتات محددة وملزمة التنفيذ لتنمية قطاع الصناعة واعادة الحياة لمئات المصانع الحكومية المعطلة بارادات ودوافع سياسية داخلية وخارجية لغرض استيعاب الأعداد الكبيرة من العاطلين ولرفد الموازنة بايرادات جديدة تساعد على تقليل الاعتماد على النفط كمورد رئيسي لاقتصاد البلد.
2. رسم سياسة جديدة للنهوض بالقطاع الزراعي الذي تتوفر فيه كل مقومات النجاح الأساسية والذي تم تعطيله عن قصد والعمل على تقديم كل أنواع الدعم للفلاح العراقي وللمنتج المحلي لتحقيق هذه النهضة وتحقيق الأمن الغذائي للبلد واستيعاب آلاف من العاطلين عن العمل.
3. اتخذ الخطوات الحقيقية لرعاية ودعم القطاع الخاص وجعله شريكاً حقيقياً في ادارة اقتصاد البلد واعادة بنائه وتقليل الضغوطات المالية والضريبية المفروضة عليه من قبل مؤسسات الدولة لكي يتعافى ويستعيد نشاطه ويتمكن من امتصاص نسبة كبيرة من البطالة.
4. تفعيل واستحداث القوانين الخاصة بحماية المنتج المحلي وفرض الرسوم والضرائب العالية على أي سلعة أو منتج يستورد من الخارج لكي نساعد القطاع الخاص من النجاح في عمله واعادة الحياة للصناعة المحلية وبذلك سنوفر العملة الصعبة ونستوعب عدد كبير من العاطلين في المصانع والمعامل الخاصة.
5. العمل بجدية على توجيه أنظار الشباب الى العمل في القطاع الخاص وهذا لا يتحقق سوى بتوفير أمرين أساسيين هما:
أ. توفير الضمان أو التقاعد للموظف والعامل في القطاع الخاص وذلك بتفعيل قانون الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص حيث أن هذا القانون موجود حالياً وساري المفعول ولكنه في الواقع معطل بسبب تهرب شركات القطاع الخاص من تسجيل جميع منتسبيها في دوائر الضمان الاجتماعي للتهرب من دفع نسب الرسوم الخاصة بربّ العمل وبسبب غياب الرقابة الحقيقية والقانونية من قبل دوائر الضمان الاجتماعي لتنفيذ ذلك.
ب. توفير عامل الديمومة في العمل وهذا يتحقق بوضع ضوابط وقوانين صارمة تلزم الشركات الأهلية بتسجيل العاملين فيها بعقود رسمية تصدق من قبل دوائر الضمان الاجتماعي وتودع نسخة من تلك العقود لديها وتلزم فيها أصحاب الشركات بعدم الاستغناء عن العامل أو الموظف بشكل كيفي ويكون الاستغناء بأسباب محددة توضع من قبل دائرة الضمان الاجتماعي.
اذا ما حققنا هذين الأمرين للشاب العاطل عن العمل (التقاعد أو الضمان والديمومة في العمل) سنضمن توجه شبابنا العاطلين الى القطاع الخاص وسنقلل من الضغط على القطاع العام الذي لم يعد يتحمل المزيد من التعيينات الجديدة التي أغرقت مؤسساتنا بالبطالة المقنعة.
6. وضع ضوابط جديدة وملزمة للشركات الاستثمارية العاملة في العراق على تشغيل النسبة الكبيرة من العمالة في تنفيذ عقودها من العمالة العراقية وخاصة في الاختصاصات التي لاتحتاج الى مهارة وخبرة في العمل.
7. وضع آلية علمية لتنظيم أعمال الباعة المتجولين في جميع الأسواق الشعبية والعامة في بغداد والمحافظات واعفاؤهم من الرسوم والضرائب المفروضة وتوفير وتنظيم مساحات منظمة ومقسمة داخل هذه الأسواق وتوزيعها بعدالة بين الباعة المتجولين.
8. الموافقة على ترويج معاملات الموظفين الراغبين في الاحالة على التقاعد ممن لديهم خدمة خمسة عشرة عام فأكثر لفسح المجال لتوفير فرص عمل جديدة للخريجين.
9. العمل بجدية للقضاء على الفساد المستشري في جميع الحلقات الادارية في الدولة وعدم الاقتصار على الشعارات الرنانة التي ملّ المواطن العراقي منها بدون نتيجة وتفعيل دور القضاء العراقي وابعاده عن جميع التأثيرات السياسية والحزبية للكتل النافذة في البلد.
هذه الخطوات اذا ماتم أخذها بعين الاعتبار من قبل الحكومة والبرلمان بشكل جدي وتم العمل على تنفيذها بسقوف زمنية محددة ستكون النتائج ايجابية في استيعاب أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل وستنعش الاقتصاد العراقي بجميع قطاعاته وستقلل من الغضب الجماهيري وتعيد الاستقرار الى البلد وستعيد جزء من الثقة المفقودة بين المواطن والسياسي.
اضف تعليق