ان الغالبية المطلقة من المتظاهرين هم أشبال وشباب دون سن الثلاثين من العمر، ان التظاهرات حصلت في المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق ذات الأغلبية الشيعية، فاجأ حجم التظاهرات وزخمها وغضبها وحقد جماهيرها، قادة احزاب السلطة والحكومة وشعروا بخوف حقيقي، وانهم اهينوا اعتباريا...
في الثلاثاء الأول من تشرين أول/اكتوبر 2019 انطلقت في المحافظات الوسطى والجنوبية تظاهرات كانت الغالبية المطلقة فيها شباب دون سن الثلاثين سنة، فاجأت السلطة والشعب والمحللين السياسيين الذين كانوا على يقين بأن الأحباط اوصل العراقيين الى الياس والعجز من اصلاح الحال. وأكدت الأحداث ان هذا الحراك كان عفويا، إذ لم يُعلن أيّ حزب أو زعيم سياسي أو ديني دعمه له، واعتبر سابقةً ما حدثت في تاريخ العراق السياسي.. من حيث زخمه وحجمه وما احدثه من رعب في السلطة اضطرها الى استخدام القوة المفرطة التي ادانها الرأي العام العالمي. وطلبت هيومن رايتس من الحكومة العراقي تأديب من قام بها وان كان قائدا، فيما دعت منظمة العفو الدولية بغداد في بيان إلى “أمر قوات الأمن على الفور بالتوقّف عن استخدام القوّة، بما في ذلك القوة المفرطة المميتة”.
وبحسب الآرقام الرسمية لوزارة الداخلية في 6 تشرين فان عدد القتلى بلغ 108 وتجاوز عدد المصابين 6100 جريحا حتى الحادي عشر من تشرين اول. وكان يوم الخميس (الثالث من تشرين اول) هو الأكثر دموية في مواجهات عنيفة غير مسبوقة بين المحتجين والقوات الامنية حيث امتدت التظاهرات التي تطالب برحيل الفاسدين وتامين فرص عمل للشباب الى المدن الجنوبية استدعى الحكومة الى اعلان الانذار جيم ،وفرض حظر للتجول في عدد من المدن، وإغلاق العديد من الطرق المؤدية من الشمال والشمال الشرقي إلى العاصمة وإرسال تعزيزات إلى شرق بغداد، وقيام القوى الامنية وقوات مكافحة الشغب باستخدام الماء الحار والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي.. كان نتيجته سقوط (63) قتيلا في بغداد و (21) في ذي قار تليهما:الديوانية، النجف، كربلاء، وديالى.. باستثناء البصرة التي لم تحدث فيها اصابات.
وفي مساء الخميس (الثالث من تشرين أول)، توجّه رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي، بخطاب متلفز بُثّ على وقع أصوات الطلقات الناريّة التي يُسمع دويّها في أنحاء بغداد، دافع فيه عن إنجازات حكومته وإدارته للأزمة الحاليّة، مطالبًا بمنحه فترة زمنيّة لتفيذ برنامجه، ووصف ما يجري بأنه (تدمير للدولة).
وسعى المحتجّون في بغداد للتوجّه إلى ساحة التحرير التي يفصلها عن المنطقة الخضراء جسر الجمهوريّة حيث ضربت القوّات الأمنيّة طوقاً مشدّداً عليه. ومع ان الحكومة اعلنت حظر التجوال وقطع خدمات الأنترنت فان المتظاهرين وصلوا العاصمة بغداد على متن شاحنات حاملين اعلاما عراقية واخرى دينية معظمها يحمل اسم الامام (الحسين) ويهتفون (بالروح بالدم نفديك يا عراق).
وكان استخدام السلطة القمع المفرط ضد المتظاهرين، ونزول قوات سوات والمليشيات ووجود القناصين على سطوح العمارات قد ادى الى القضاء على التظاهرات ورفع حظر التجوال وقيام رئيس مجلس الوزراء السيد عادل عبد المهدي بالقاء خطاب موجه للشعب مساء الأربعاء التاسع من تشرين اول، وصفناه في حينه بأنه خلطة من تناقضات في طبخة لا تؤكل، أكثرها مرارة انه اعلن الحداد على شهداء قتل معظمهم برصاص قوات هو قائدها، وتكريمه لقوات امنية بينهم
قتلة ايضا!..واعلانه للشعب العراقي بانه سيحيل فاسدين كبار خلال ساعات ولم يفعلها. ولم يأتي على قطع الأنترنت، ولم يشجب الهجوم على فضائيات والتجاوز على حرية التعبير التي كفلها الدستور. وصيغ خطابه ليفسره البعض بانه انحياز للشعب، ويفسره آخرون بأنه مضطر للوعود ليمتص غضب الشارع، ويفسره موقف ثالث بأنه تنازل تكتيكي.
وفي خطبة الجمعة (11 تشرين اول)، حمّلت المرجعية الدينية على لسان الشيخ عبد المهدي الكربلائي، الحكومة العراقية مسؤولية اراقة الدماء، وامهلتها مدة اسبوعين لكشف الجناة ومحاسبتهم، ومع ان خطابها هذا يعد الأول من حيث تضمينه تهديدا للحكومة وأحزاب السلطة، فان الرأي العام العراقي، باستطلاع اجريناه في حينه، توزع بين وعود على المرجيعة ان تحققها، وبين من وصف الخطاب بانه تخدير و(أبر مورفين)، اومحاولة لأنقاذ موقعها بين الناس، وبين من رأى ان دعوتها هذه سوف لن تجد استجابة عملية من الذين يعنيهم الأمر.
مؤشرات عن تظاهرات واحد تشرين ألأول
ما حصل في الفاتح من اكتوبر/تشرين اول 2019يعد الأجرأ والأخطر وغير المتوقع في تاريخ العراق السياسي، للخصائص الآتية:
* ان الغالبية المطلقة من المتظاهرين هم أشبال وشباب دون سن الثلاثين من العمر.
* ان التظاهرات حصلت في المحافظات الوسطى والجنوبية من العراق ذات الأغلبية الشيعية.
* فاجأ حجم التظاهرات وزخمها وغضبها وحقد جماهيرها، قادة احزاب السلطة والحكومة وشعروا بخوف حقيقي، وانهم اهينوا اعتباريا.
كانت المطالب المعلنة للمتظاهرين: توفير فرص عمل للشباب وحملة الشهادات العليا، وتأمين الخدمات وتحسين الوضع الأقتصادي، فيما كانت في حقيقتها السيكولوجية تعبيرا عن انتقام استهدف أحزاب الأسلام السياسي الشيعي تحديدا، عبروا عنه باحراقهم لمقرات هذه الأحزاب.
* استخدمت الحكومة قواتها الأمنية بأصنافها المتعددة القوة المفرطة بما فيها الرصاص الحي.
* سقوط (105) شهيدا واكثر من ستة آلاف جريحا بحسب الاحصاءات الرسمية،في سابقة لم تحصل في تاريخ العراق.
* فاجأت التظاهرات محلليين سياسيين ومثقفين اشاعوا ثقافة التيئيس، الذين كانوا على يقين بان الاحباط قد اوصل العراقيين الى حالة العجز التام.
اضف تعليق