q

اتخذت الازمة اليمنية أكثر من مسار تصادمي بعد إطلاق العملية العسكرية السعودية "عاصفة الحزم"، في 26/ اذار بمساعدة عدد من الدول العربية، إضافة الى الولايات المتحدة الامريكية، فيما خلت من أي حلول سياسية او دبلوماسية متوقعة في الأفق القريب، ربما باستثناء اعلان "هدنة إنسانية" لمدة 5 أيام قابلة للتجديد قدمتها السعودية بعد ان رفضت الدعوات السابقة بوقف اطلاق النار والتي نادت بها عدة دول عربية وغربية، فضلا عن مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" بوقف فوري لإطلاق النار، ويمكن ان تساعد هذه الهدنة على ابطاء الانهيار الكارثي للوضع الإنساني في اليمن وتقليل الخسائر البشرية الى اقصى حد ممكن، في ظل نقص حاد في امدادات الماء والغذاء والوقود الضروري لتشغيل المستشفيات ونقل الجرحى والمصابين، وفي حال توقف الاعمال العسكرية مع موعد سريان الهدنة المقرر في يوم 12/أيار الجاري، فان الامل بتدخل اطراف دولية لدفع عملية الحوار والمفاوضات من اجل تشكيل مستقبل اليمن السياسي بمشاركة جميع الأطراف، قد يعزز بصورة اكثر فاعلية.

وكانت أبرز هذه المسارات التصادمية التي نتجت عن انطلاق عملية "عاصفة الحزم":

- مسار تصادمي داخلي في اليمن، بعد ان دعمت العملية العسكرية، "عاصفة الحزم"، المسلحين الموالين للرئيس المدعوم من السعودية "هادي"، بالسلاح والعتاد والغطاء الجوي، لشن هجمات مضادة على الحوثيين، إضافة الى استغلال تنظيم "القاعدة" للفوضى التي احدثتها العملية العسكرية للسيطرة على المزيد من الأراضي اليمنية، والدخول كطرف اخر في خط الازمة اليمنية.

- مسار تصادمي طائفي داخل الخليج، بعد ان صورت الحرب على انهاء تمرد مقاتلين "شيعة" خارجين عن القانون من قبل السعودية وحلفائها، الامر الذي عزز النزاع الطائفية داخل الخليج والشرق الأوسط بين مؤيد ومعارض للحملة.

- مسار تصادمي بين قوتين اقليميتين (السعودية وإيران)، والسجال الحاد بينهما على الحرب في اليمن، ففي حين اعتبرت إيران العملية "عدوان" على دولة ذات سيادة، اتهمت السعودية، إيران بدعم الحوثيون بالسلاح والمال والتدريب من اجل الحصول على موطئ قدم لها في شبه الجزيرة العربية.

- مسار تصادمي في مياه الخليج وباب المندب بعد ان تحولت هذه المياه الى مسرح للعمليات العسكرية بوجود قطع بحرية عسكرية أمريكية وايرانية وسعودية ومصرية، وارتفعت حدة التوترات بعد حادثة سفينة الشحن التابعة لجزر المارشال التي احتجزتها القوات الإيرانية.

وقد يعترض البعض على ان هذه المسارات التصادمية او بعضها كانت موجودة بالفعل قبل إطلاق العمليات العسكرية في اليمن، وهو كلام صحيح، لكن الحقائق تؤكد ان المشكلة تفاقمت في اليمن والمنطقة بعد العملية مقارنة بالأحداث التي سبقتها، فضلا عن عدم تمكن العملية من تحقيق أهدافها الطموحة والمعلنة والتي من المفترض ان تحل المشكلة في اليمن او جزء كبير منها، وقد شاهد الجميع كيف تحولت الأهداف في إعادة الشرعية وتدمير القوة العسكرية للجيش اليمني والحوثيين الى مواجهات على طول الحدود السعودية-اليمنية، واستهداف للبنى التحتية والمناطق المدنية في "صعدة" التي يعتبرها التحالف معقل لجماعة انصار الله، كنوع من الاجراء العقابي، بحسب ما يرى الكثير من المراقبين.

الهدنة التي ستبدأ في أي لحظة من يوم الثلاثاء، ستكون فرصة نادرة لإنهاء تفاقم المشكلة اليمنية وانحدارها الى ابعاد خطيرة، ينبغي ان تعول جميع الأطراف الداخلية والخارجية المتصادمة في اليمن كثيرا على إنجاح هذه الهدنة، والسماح لحوار ومفاوضات واسعة برعاية اممية، ومن دون شروط مسبقة، لجمع الأطراف اليمنية، ومناقشة مالهم وما عليهم بعيدا ان التهديد بالسلاح او القصف او التدخلات الخارجية، والتي لم تؤدي دورها ولن تستطيع ان تحدث فارقا واضحا في المعادلة السياسية او العسكرية داخل اليمن، بعد اكثر من خمسين يوما من القصف العنيف والقتال بين اطراف الازمة، وستكون الساعات الأولى من دخول "الهدنة الإنسانية" حيز التنفيذ هي الساعات الأصعب على مصداقية الأطراف المتصارعة في انجاحها او افشالها، وفي حال النجاح، يمكن تمديدها الى فترة أطول لتحقيق الأهداف التالية:

- التخفيف من حدة المعاناة الإنسانية التي شهدها الشعب اليمني خلال فترة الحرب، من خلال جهد انساني دولي كبير لإرسال المساعدات الإنسانية لبد منكوب.

- دخول أطراف اممية كوسيط موثوق لجمع الأطراف الداخلية ورعاية حوار سياسي يشمل الجميع للخروج من نفق الازمة، من خلال البحث عن الحلول الوسطية التي قد ترضي الأطراف المتصارعة.

- الحرص على مشاركة الشعب اليمني في حل الازمة اليمنية، ويمكن التوصل الى مرحلة انتقالية سياسية، بعدها يجري استفتاء عام برعاية اممية يختار فيه الشعب اليمني طريقة الحكم ومستقبل اليمن الجيوسياسي، خصوصا وان هناك العديد من الدعوات التي تدعو الى احياء تقسيم اليمن الشمالي والجنوبي.

اضف تعليق