احدى اهم، بل أخطر عيوب التأسيس التي ارتكبتها الطبقة السياسية التي باشرت عملية بناء الدولة بعد سقوط النظام الدكتاتوري، هي اعتماد المكون بدل المواطن اساسا في البناء، والطبقة السياسية وسعت من استخدامات هذا المصطلح ليشمل كل مؤسسات الدولة ابتداءً من الرئاسات الثلاث التي قسمت على ثلاثة مكونات...

احدى اهم، بل اخطر عيوب التأسيس التي ارتكبتها الطبقة السياسية التي باشرت عملية بناء الدولة بعد سقوط النظام الدكتاتوري، هي اعتماد المكون بدل المواطن اساسا في البناء.

وردت كلمة مكونات مرة واحدة في الدستور الدائم في المادة (9) منه والتي نصت على ما يلي: "اولاً : أـ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييزٍ او اقصاء، وتخضع لقيادة السلطة المدنية، وتدافع عن العراق، ولا تكون اداةً لقمع الشعب العراقي، ولا تتدخل في الشؤون السياسية، ولا دور لها في تداول السلطة".

لكن الطبقة السياسية وسعت من استخدامات هذا المصطلح ليشمل كل مؤسسات الدولة ابتداءً من الرئاسات الثلاث التي قسمت على ثلاثة مكونات، ثم على نواب رئيس الجمهورية، ونواب رئيس البرلمان، فنواب رئيس الوزراء، فالوزراء، وهكذا نزولا و وصولا الى درجات ادنى فادنى.

قسمت الطبقة السياسية الشعب العراقي الى مكونات مختلفة على اساس الانتماء الديني والقومي والطائفي واخيرا الحزبي او السياسي.

دينيا، هناك المكون المسلم والمكون المسيحي الخ.

طائفيا، هناك الشيعي والسني.

قوميا، هناك العربي والكردي والتركماني الخ.

دولة المكونات تقضي بتوزيع مواقع السلطة ومصادر الثروة بين المكونات وليس بين المواطنين، وجرى العرف على تقسيم ذلك على الرقم ٣ الذي يمثل المكونات "الرئيسية" في البلد، اي الشيعة والسنة والكرد.

دولة المكونات بديل لدولة المواطنين. والمكون هو بديل للمواطن.

دولة المكونات تحول دون ولادة الهوية الوطنية الجامعة لكل المواطنين.

وهي تلغي العلاقة المباشرة بين الدولة والمواطن، وتنصب المكون وسيطا بينهما.

دولة المكونات تضع الانتماء والولاء شرطين في تولي المناصب القيادية في الدولة بدل المواطنة والكفاءة والنزاهة. اما النص على شرط المواطنة الوارد في الدستور فقد افرغ من مضمونه الوطني.

دولة المكونات تعيق تطبيق الديمقراطية التمثيلية وتعتمد التوافق بديلا لذلك، والتوافق يعني المحاصصة.

وفي دولة المكونات يتعذر تشكيل حكومة الاغلبية السياسية، كما يتعذر ظهور معارضة حقيقية.

الطبقة السياسية الحالية ماضية قدما في تكريس وترسيخ دولة المكونات واخشى ان تكون العودة الى دولة المواطنة اصعب من الاستمرار في طريق دولة المكونات.

ولا توجد علامات او مؤشرات على ان هذه الطبقة يمكن ان تتخلى عن دولة المكونات وتعود الى دولة المواطنة.

دولة المكونات تقوم حين يغيب المواطن او يختفي عن المسرح السياسي. وغياب المواطن يشجع الطبقة السياسية على التمسك بخيار دولة المكونات.

المواطن، و #المواطن_الفعال بالاخص، هو الامل الوحيد بعودة دولة المواطن، او دولة المواطنة، لان المواطن هو لبنة بناء دولة المواطنة.

اذا لم يرفع المواطن راية الانتماء للوطن، بوصفها الراية الحاكمة على الرايات الاخرى، فلا امل بظهور دولة المواطن.

لا تشترط المواطنة، وبالتالي دولة المواطنة، ان يتخلى المواطن عن انتماءاته الفرعية الاخرى؛ ولكنها تشترط ان تكون المواطنة هي الاساس في البناء.

يمكن للمسلم والمسيحي والشيعي والسني والعربي والكردي والتركماني ان يبقوا على ما هم عليه، بعد ان يكونوا مواطنين عراقيين يؤمنون بالمواطنة وبوحدة الانتماء الى الوطن، الاكبر من الدين والطائفة والقومية والحزب ضمن حدود الدولة العراقية المعروفة. ولكن اذا تخلى هؤلاء عن المواطنة لصالح الانتماء الفئوي، اختفت الدولة العراقية من الخارطة السياسية للعالم، وتحول الى ذكرى سياسية سوف تقرأ عنها الاجيال في كتب التاريخ كما يقرأون عن غياب الاتحاد السوفياتي والدولة الرومانية والدولة الاشورية وغيرها من عشرات وربما مئات الدول التي ظهرت، وسادت، ثم بادت وغابت.

الدستور يقول انه ضامن لوحدة العراق. لا يكفي. المواطنة هي الضامن لوحدة العراق وبقائه!.

.........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق