في خطوة لا تبدو خارج السياق أعلن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو عشية انتخابات الكنيست (22) نيّته في ضم “غور الأردن” وشمال البحر الميت إلى “السيادة الإسرائيلية” بعد فوزه بانتخابات 17 سبتمبر (أيلول) الجاري، وقد حرص نتنياهو على جذب أصوات اليمين بشكل عام واليمين المتطرّف بشكل خاص...
في خطوة لا تبدو خارج السياق أعلن رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو عشية انتخابات الكنيست (22) نيّته في ضم “غور الأردن” وشمال البحر الميت إلى “السيادة الإسرائيلية” بعد فوزه بانتخابات 17 سبتمبر (أيلول) الجاري، وقد حرص نتنياهو على جذب أصوات اليمين بشكل عام واليمين المتطرّف بشكل خاص لتوسيع القاعدة الانتخابية لتحالف الليكود، وذلك بأمل تكليفه بتشكيل الحكومة التي فشل في تشكيلها في الانتخابات الأخيرة في 9 أبريل (نيسان) 2019 حيث تطلّب حصوله على 61 مقعداً في الكنيست من أصل 120.
وبعيداً عن التوقيت الانتخابي، فثمة جوانب قانونية دولية لمثل هذا التصريح الخالي من الدبلوماسية، فضلاً عن الجوانب السياسية والعملية، لاسيّما العسكرية وغير العسكرية، خصوصاً إمكانية تحقيقه والوسائل التي سيتم اتباعها والمدّة الزمنية لوضعه موضع التطبيق، علماً بأنه لا يأتي اعتباطاً، وإنما ينبع من خلفية فكرية وسياسية استراتيجية للدولة العبرية، التي ظلّت تتطلّع إلى استكمال المخطط الصهيوني بإجراءات وخطوات متواترة، وصولاً إلى تحقيق أهدافها منذ قيامها في 15 مايو (أيار) العام 1948.
وقد شجّع نتنياهو على استهتاره بالقانون الدولي وتجاسره في إطلاق مثل ذلك “الوعد”، دعم الولايات المتحدة، لاسيّما في ظل رئاسة دونالد ترامب، الذي تجاوز في اندفاعه بتأييد “إسرائيل” من سبقوه من الرئاسات الأمريكية، وخصوصاً رئاسة بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، الذين وضعوا ” حلّ الدولتين” في برامجهم وإنْ كان بدرجات متفاوتة.
نقل سفارة
وكان ترامب قد أعلن في مايو(أيار) 2018 عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 478 الصادر في 20 أغسطس (آب) 1980 والقاضي بعدم الاعتراف بقرار الكنيست بضم القدس، وناشد الدول والبلدان سحب بعثاتها الدبلوماسية منها، كما يتعارض مع قواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الإنساني الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولاسيّما اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 التي تعتبر القدس الشرقية “محتلّة” من جانب “إسرائيل”بعد عدوان 5 يونيو (حزيران)العام 1967، وفي 25 آذار (مارس) 2019 وصفت واشنطن ” مرتفعات الجولان السورية” جزءًا من السيادة الإسرائيلية بحكم ” الأمر الواقع”.
ومثّل ذلك انتهاكاً شديداً للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة وميثاقها الذي لا تجيز ضمّ الأراضي بالقوة كمكاسب للحرب بحجة ” الأمر الواقع”، مثلما يتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 الصادر في العام 1981 بشأن “بطلان ضمّ الجولان المحتلة” الذي اتخذه الكنيست “الإسرائيلي”.
ويشمل “وعد” ضم ” غور الأردن” (القطاع الشرقي للضفة الغربية) نحو 120 كلم من منطقة ” عين جدي” قرب البحر الميت جنوباً ولغاية الخط الأخضر جنوبي بيسان شمالاً، ويبلغ عرضه 15 كلم، وكان الكيان الصهيوني قد وضع عينه عليه منذ احتلاله الضفة الغربية في العام 1967? وكثيراً ما كان يلوّح بين فترة وأخرى لضمّه، خصوصاً في المنعطفات السياسية الحادة والصراعات الحزبية الشديدة.
جدير بالذكر أن “إسرائيل” أقامت أكثر من 26 مستوطنة في هذه المناطق خلال العقود الخمسة الماضية، وكانت تنظر إلى “غور الأردن” باعتباره عمقاً “إسرائيلياً”، متجاهلة اتفاقية أوسلو الموقعة بين الجانب الفلسطيني و”الإسرائيلي” العام 1993 على الرغم من أنها لم تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب العربي الفلسطيني.
وكان إيغال ألون منذ العام 1982 قد أطلق فكرة استراتيجية مفادها اعتبار نهر الأردن حدوداً شرقية للدولة العبرية، وأكّد اسحاق رابين على ضرورة “منع كيان فلسطيني مشاطئ للبحر الميت” للحيلولة دون حصول تماس جغرافي مع أي رقعة عربية وذلك لإحداث نوع من الانسجام بين ، وهكذا تجتمع عوامل الجيوبولتيكا مع عناصر الديموغرافيا تحت عنوان “أمن إسرائيل”، وهو ما حاول نتنياهو استثماره لأغراض انتخابية، حين جعل ذلك هدفاً يسعى إليه وبالتالي أساساً لأية تسوية سياسية.
كثافة سكانية
وتركّز الاستراتيجية ” الإسرائيلية” على “غور الأردن” بدلاً من ضم كامل الضفة الغربية إليها ذات الكثافة السكانية حيث يبلغ عدد نفوسها أكثر من 3 ملايين نسمة، في حين إن غور الأردن لا تزيد نفوسه على 200 ألف فلسطيني يمكن إجلاءهم بالتدرّج وعبر عمليات ترانسفير، أو حتى احتجازهم في أسوار وممرّات أقرب إلى المعسكرات.
وحسب وجهة النظر “الإسرائيلية” سيكون ” غور الأردن ” حاجزاً ” إسرائيلياً” أمنياً في التصدي لأي تهديد يأتي من الضفة الشرقية، وهو ما اعتبره نتنياهو ” الجدار الحامي الشرقي”، كما إن السيطرة على غور الأردن يعني السيطرة على الأحواض المائية الجوفية في الضفة الغربية، خصوصاً الأحواض الشرقية وتكريس الفاصل الجغرافي بين فلسطيني الضفة الغربية وفلسطيني الأردن الذين يمثّلون عمقاً ديموغرافياً لأي كيانية فلسطينية مستقبلية، حيث تسعى “إسرائيل” لتطويق الضفة عبر حاجزين: الأول- شرقي يضم غور الأردن والثاني – غربي هو جدار الفصل العنصري (القائم) بالضد من الشرعية الدولية وقرار محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 9 يوليو(تموز) 2004.
اضف تعليق