بعد أية حرب وأزمة ما، تتولد ثقافة دخيلة، لكن الحركة الفاعلة الإيجابية للمجتمعات، يساعد على تطورها السلمي، ويحل مشكلات +البطالة والفقر والجوع والأمية، ويدخلها عصر الازدهار تدريجياً، ولا يتوقف عند حدودها بل يمتد إقليمياً عل أساس المصالح المشتركة، وتتضاءل السياسية الريعية الى سوق الإنتاج...
تعود بنا الذاكرة سنوات كثيرة الى الوراء، عندما كنا نأكل بطيخ يباع في أسواق بغداد من مزارع سامراء، ولايمكن نسيان الشكل والطعم وخصوبة الأرض، وكم يسرنا توفر الرقي بشكل كبير من مزارع صلاح الدين ونينوى.
تلك المناطق التي كان يغتصبها الإرهاب، وتموت فيها الزراعة من شح المياه، ونعود لنشتري البضاعة العراقية حينما لا نجد من ينافسها في السوق والذوق العراقي.
كم هو جميل أن تشعر أنك بدأت تسترجع ذكريات فارقتها، وتشعر أنها تعود بشكل تدريجي، وفي كل بلد لا يشعر مواطنه أن هناك أفضل من طعام بلده مهما تجول في بقاع العالم، فيشعر أن لها أرثا وذكريات وتاريخا وطبيعة بشرية ترتبط بالأذواق والطقوس والعادات والتقاليد.
المنتوج المحلي عامل أساسي في نهضة الشعوب.. هذا ما يدفعها للحفاظ عليه وضمن مناسبة تقاليدها، ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، لم يعد العراق ينتج أو يزرع، وإعتمد على الإستيراد في فقدان للتقاليد المجتمعية، كما الأكلات السريعة والملابس، والمأكولات كالخضروات والفواكه واللحوم بطعم غير ما يعرفه العراقي، ومختلفة عن مائدة تعبر عن تاريخ بلد.
ما عادت الأسماك هي نفسها التي تؤكل في الثمانينات، ولا طعم الخضروات والفواكه كما هو، وحتى ما يزرع هنا فبذوره مستوردة، فما عاد البصل والرشاد حاراً كما هو أيام زمان، ولكن الأمل قد يعود تدريجاً حينما تجد في الأسواق خضروات وفواكه عراقية، وتشعر أن الفلاح بدأ يزرع والبقال يبيع والمواطن يتذوق، ونأكل كي نستعيد جزء من تقاليدنا ونشجع منتوج وطني.
تشهد بغداد والمدن الأخرى إنتشار مطاعم الأكلات السريعة، والبيتزا والكنتاكي تغزو الأسواق والمحال التجارية، وما عاد الأبناء يأكلون ما يأكل الآباء، وبعض العوائل إعتمد بشكل كامل على الطعام الجاهز.
من منا يمكن ان يتجاهل النهضة اليابانية والمعجزة الإقتصادية التي أذهلت العالم، ونهض ذلك البلد من ركام القنابل النووية والحروب والإحتلال، وصار ثاني أقوى بلد إقتصادياً، وشارك جواره بمشروعه الإقتصادي لتسمى في وقتها "النمور الأسيوية" من خلال ترسيخ قيم المجتمع وعاداته وتقاليده الإيجابية، والإعتماد على المنتوج المحلي بما في ذلك مائدة الطعام.
زرع العراق هذا العام ما يزيد على 12 مليون دونم من الحنطة، نتيجة الإدارة الرشيدة لسيول المياه ووفرة أمطار، كانت تذهب في السنوات السابقة للبحر، وإستلم ما يزيد عل 4 ملايين طن من الحنطة كرقم قياسي، نتيجة تسديد الفلاحين مباشرةً، ويستعد الأن لزراعة 650 ألف دونم من الشلب، وفي الأسواق توفر العنب والرقي والبطيخ والطماطة ومختلف الفواكه والخضروات، وكذلك الأسماك واللحوم والبيض العراقي، وبدأت وزارة الزراعة بمنع إستيراد 13 مادة للإكتفاء الاتي، وإنخفضت الأسعار عكس ما كان يروج، من ردة فعل لمنع الإستيراد بالإحتكار من المستوردين أو الفلاحين، فزاد العرض وإنخفض السعر.
بعد أية حرب وأزمة ما، تتولد ثقافة دخيلة، لكن الحركة الفاعلة الإيجابية للمجتمعات، يساعد على تطورها السلمي، ويحل مشكلات البطالة والفقر والجوع والأمية، ويدخلها عصر الإزدهار تدريجياً، ولا يتوقف عند حدودها بل يمتد إقليمياً عل أساس المصالح المشتركة، وتتضائل السياسية الريعية الى سوق الإنتاج والربح، وتبرز مهارة إستخدام السلاح الإقتصادي وتتحسن العلاقات مع الدول، وتتجنب الدول والشعب الإقتباس التام والسهل، الي ينتهي بالمجتمع للتغريب والإستلاب.
تشجيع المنتوج الوطني يحتاج الى السير بمضمارين لهدف واحد، أحدهما الإنفتاح عل الثقافات الغربية والصديقة من علومها وتكنولوجياتها وتجاربها، وفي عين الوقت التمسك الإيجابي بالتقاليد العريقة والموروث الإيجابي، وتشجيع المجتمع للعودة الى إستثمار طاقاته التي تثمر عن منتوج وطني في مختلف المجالات.
اضف تعليق