لم تتمكن المجتمعات العربية التعامل مع التنوع المذهبي الذي تعيشه على نحو ايجابي بحيث أن أغلب المجتمعات العربية، التي تعيش حقائق التنوع والتعدد، تعاني من مشكلة حقيقية تتجسد في عدم قدرة هذا المجتمع من التعامل على نحو ايجابي مع حقائق التعدد التي تحتضنها. وفي تقديرنا...
لأسباب وعوامل سياسية ومجتمعية عديدة، لم تتمكن المجتمعات العربية التعامل مع التنوع المذهبي الذي تعيشه على نحو ايجابي بحيث أن أغلب المجتمعات العربية، التي تعيش حقائق التنوع والتعدد، تعاني من مشكلة حقيقية تتجسد في عدم قدرة هذا المجتمع من التعامل على نحو ايجابي مع حقائق التعدد التي تحتضنها. وفي تقديرنا أن العوامل الأساسية التي تنتج هذه الظاهرة أهمها الآتي:
1- طبيعة الأنظمة السياسية السائدة في أغلب دول المنطقة العربية. لان اغلب هذه الأنظمة لاتعترف إلا برأيها وأيدلوجيتها، وكل رأي مختلف أو أيدلوجية مغايرة، فان الموقف الأساسي منها هو الخصومة والتهميش وممارسة التمييز ضد أهلها.
2- الرؤية الدينية المتطرفة والتي تتعامل مع ذاتها، بوصفها هي القابضة على الحق والحقيقة، ودونها من الرؤى الدينية تتهم في شرعيتها ويطلق عليها العديد من الأوصاف ومن أبرزها الهرطقة الدينية، وبالتالي فان أصحاب هذه الرؤية الدينية مآلها الإبعاد وممارسة الاستثناء معها في أغلب جوانب ومجالات الحياة.
3- طبيعة الثقافة السياسية السائدة في المنطقة العربية، وهي ثقافة في أغلب جوانبها، معادية لكل حقائق التعدد والتنوع. وبالتالي فان طبيعة التكوين الثقافي السياسي لأغلب أبناء النخبة السياسية، لاترى خيرا في التعدد والتنوع، وتتعامل مع بعض حقائقه ومتطلباته بوصفها مناقضة للوحدة الاجتماعية والوطنية. وعليه فان المطلوب هو التعامل مع هذه الحقائق بوصفها حقائق مضادة للمشروع الأيدلوجي أو السياسي الذي تحمله النخب السياسية السائدة. ولا فرق جوهري بينها علة هذا الصعيد، سواء كانت هذه النخب تتبنى الرؤية الدينية أو تتبنى الرؤية القومية. فكل الأنظمة السياسية ذات الصبغة الدينية، سقطت في امتحان التعددية، ولم تتعامل مع حقائق التنوع في مجتمعها على نحو ايجابي.
كما أن الأنظمة القومية – التقدمية سقطت في ذات الامتحان، ولم تتمكن من بناء نموذج ايجابي في طريقة التعامل مع حقائق التنوع في مجتمعها. أنظمة سياسية مارست الطائفية والتمييز الطائفي، على خلفية مذهبية متطرفة أو معادية لكل حقائق التعدد والتنوع في مجتمعها. وأنظمة سياسية أخرى مارست التمييز الطائفي على خلفية احتكار السلطة والثروة. وعلى ضوء هذا الاحتكار هي تمارس عملية الطرد لبعض مكونات مجتمعها. ولعل من أبرز مبررات الطرد الانتماء إلى مذهب أو مدرسة فقهية أو سياسية تشكل خطرا على أمن البلد واستقراره السياسي. وعلى ضوء هذه الحقائق، لم يتمكن العرب في أغلب دولهم، من بناء نموذج حضاري في طريقة التعامل مع حقائق التعدد المذهبي الموجودة في المجتمعات العربية.
والإخفاق المتراكم في طريقة التعامل مع حقائق التعدد المذهبي، أنتج مشكلة سياسية عميقة في الاجتماع العربي المعاصر يمكن تسميتها ب المشكلة الطائفية.
ولو تأملنا في تجربة العرب الشيعة في أغلب دولهم العربية لوجدنا أن هذا المكون يعاني من مشكلة التمييز الطائفي الذي يمارس عليه لاعتبارات سياسية تتعلق بطبيعة التكوين السياسي للدولة أو من مقتضيات الاستبداد والاستفراد والاستئثار بالسلطة والثروة.
وعليه فان العرب الشيعة في أغلب دولهم العربية المعاصرة، يتم التعامل معهم بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.
وان جل مايتطلعون إليه على هذا الصعيد هو مساواتهم مع بقية المواطنين، ورفع كل أشكال التمييز الطائفي عن واقعهم ومجتمعهم. وهذا الواقع الطائفي متعدد الوجوه والأشكال، يفرض على كل من يدرس واقع العرب الشيعة من الاقتراب من تحليل ونقد الواقع الطائفي في المنطقة العربية.
وانطلاقا من هذا سنعمل على مقاربة هذا الموضوع من خلال العناوين التالية.
فالطائفية في جوهرها ليست وليدة حالة التعدد الفقهي والمذهبي، الذي نظر إليه الماضون من العلماء والمؤرخين والفقهاء بوصفه نتاج طبيعي لمبدأ الاجتهاد.. فما دمنا نجتهد وفق الضوابط الشرعية المقررة، فالمحصلة الطبيعية لمبدأ الاجتهاد وجود آراء وقناعات متعددة في الموضوع الواحد.. وتعدد المدارس الفقهية في التجربة التاريخية الإسلامية، هو وليد مبدأ الاجتهاد.. لذلك فإن تعدد المدارس الفقهية هو نتاج حيوية الواقع الإسلامي والعلمي للمسلمين.. وما نسميه الطائفية ليس لها أية صلة بحالة التعدد والتنوع، وإنما هي نتاج خيارات مجتمعية، أفضت في الأخير إلى بروز هذه المعضلة في الواقع الإسلامي.. والمهمة المعاصرة للمسلمين جميعا التفكير في معالجة هذه المعضلة، دون الأضرار أو التشنيع بقيمة التعدد والتنوع الذي تزخر به مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة..
ونعتقد أن التمسك بجوهر الإسلام ومناقبيات الأخلاقية والسلوكية، هو الكفيل بمعالجة كل المشاكل والتوترات والأزمات التي تعانيها مجتمعاتنا العربية والإسلامية تحت عنوان ويافطة الطائفية..
والعرب الشيعة كغيرهم من المسلمين، يتحملون مسؤولية مباشرة في معالجة هذه المعضلة التي تهدد استقرار كل الدول والمجتمعات.. ونرى إن العرب الشيعة بإمكانهم القيام بالأدوار التالية:
1- تعزيز خيار التواصل والانفتاح على بقية المسلمين بمختلف مدارسهم الفقهية.. فالعرب الشيعة في كل مجتمعاتهم، ليس لديهم مشروع خاص، وإنما مشروعهم هو مشروع أوطانهم.. والمشاكل التي يعانوها لا يمكن أن تعالج بمعزل عن معالجة مشاكل الوطن المختلفة.. لذلك فإن السبيل إلى معالجة مشاكلهم ومآزقهم، هو في إنهاء الحواجز التي تفصلهم عن بقية المسلمين.. وهي بالمناسبة حواجز لا تتعلق بقناعاتهم الذاتية والمذهبية، وإنما تتعلق بخياراتهم المجتمعية..
فالانفتاح وتجسير العلاقة مع بقية المسلمين مهما كانت الصعوبات، هو أحد الخيارات الإستراتيجية المعنية بتذويب كل المشاكل في العلاقة بين جميع المسلمين بكل تعددهم الفقهي والمذهبي والاجتماعي..
2- استمرار نهج الاعتدال العقدي والثقافي والسياسي.. فلا مجال للوصول إلى الغايات والأهداف الوطنية برافعة الغلو والتطرف.. ونعتقد أن هذه الرافعة تزيد من محن ومآزق الجميع.. فمهما كانت موجة التطرف التي تجتاح الكثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية.. فإن من الضروري لكل العرب الشيعة من التمسك والتشبث بخيار الاعتدال في الدوائر العقدية والسياسية والثقافية..
3- المعضلة الطائفية في كل المجتمعات العربية والإسلامية، لا يمكن أن تعالج بوسائل مذهبية، لأن هذه الوسائل تعزز تلك النزعة الطائفية.. تبقى المواطنة المتساوية والقاعدة الوطنية والمدنية هو سبيل كل المجتمعات لمعالجة المعضلة الطائفية.. فالوسائل المذهبية تبقي الجدل والسجالات في مربعها الأول، أما الاستناد إلى القيم المدنية والتي من ضمنها المواطنة المتساوية، فهي تنقل الجدل إلى مربع مختلف، يتساوى فيه الجميع، ويوفر هذا المربع القدرة على معالجة هذه المعضلة دون الأضرار بوحدة أوطاننا ومجتمعاتنا..
اضف تعليق