كيري الذي يزور الرياض حاليا بهدف وضع اللمسات الاخيرة "لهدنة قصيرة" قد يطول امدها في مقدمة تهدف ربما لمنع تداعيات "عاصفة الحزم" او "عودة الامل" بعد ان ابتعدت كثيرا في تحقيق اهدافها المعلنة منذ اليوم الاول لانطلاق العمل العسكري لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية في 26/ مارس وحتى اليوم، وكانت جملة من المواقف السعودية وحلفائها الخليجيين، اضافة الى مواقف الولايات المتحدة الامريكية، اوضحت ان هناك تخبطا واضحا في الوصول الى صيغة او وضع يحفظ الخروج الامن للتحالف وحكومة الرئيس "هادي" من الازمة اليمنية، بعد ان جربت هذه الدول كافة السبل العسكرية والسياسية والاعلامية لتحقيق اهم ثلاث اشياء من دون جدوى:

- منع تقدم الحوثيون الى عدن، وهو مالم يتحقق بعد ان اعلنت جماعة انصار الله والجيش اليمني السيطرة على منطقة "التواهي" جنوب عدن (وهو اخر حي يسيطر عليه انصار هادي المدعوم من السعودية)، كما بات المجمع الرئاسي في عدن تحت سيطرة الحوثيين بالكامل، وهي دلالة واضحة على عدم تأثر الحوثيين بالضربات الجوية، وانهم ما زالوا القوة الوحيدة على الارض مثلما تعتبر قوات التحالف العربي القوة الوحيدة في سماء اليمن.

- اخراج جماعة انصار الله خارج العملية السياسية في اليمن، من خلال اعادة الرئيس اللاجئ في السعودية "عبد ربه منصور هادي" الى اليمن كرئيس شرعي بدعم سعودي، مع تطبيق خطة انتقال سياسي باشرافها ايضا، وهو ما لم يتحقق الى الان، حتى بعد ان دعا "هادي" الى عقد حوار سياسي لحل الازمة اليمنية في الرياض، والمزمع عقدة في 17 من الشهر الجاري.

- انهاء او اضعاف القوة العسكرية للحوثيين والتي تشكل مصدر قلق دائم للحدود السعودية، بعد ان جربت الاخيرة حضها في مواجهة حدودية مباشرة معهم عام 2009 وعام 2010، وكانت نتائجها مقتل العشرات من الجنود السعوديين وسيطرة الحوثيين على مدن حدودية كبيرة لعدة ايام، ويبدو ان سيناريو المواجهات عاد من جديد من دون ان يتمكن الجيش السعودي من منع عشرات الصواريخ (بعد اكثر من 40 يوم من القصف الجوي المركز ضد اليمن) التي اطلقها الحوثيون، على مناطق سعودية، والتي ادت الى مقتل جنود (لم يتم الافصاح عن عددهم الصريح)، ونزوح ابناء المناطق القريبة الى مناطق اكثر امنا، وتعطيل الدراسة والدوائر الرسمية والمطارات، اضافة الى توارد الاخبار عن سيطرة الحوثيون على مواقع عسكرية داخل الحدود السعودية واسقاطهم لطائرة اباتشي.

وكررت السعودية عزمها ابقاء خيار المواجهة البرية مفتوحا، بعد ان فشلت ايضا في استدراج الجيش الباكستاني او المصري الى هذا الخيار، ويرى مراقبون ان امكانية تشكيل قوات متعددة الجنسيات يمكن ان يكون بديلا مقبولا للسعودية، بعد ان وافقت السنغال على ارسال اكثر من 1000 جندي لدعم الحملة السعودية، ويأتي هذا متزامنا مع ارسال مبعوث "هادي" لدى الامم المتحدة مقترح طالب فيه المجتمع الدولي "بتدخل بري سريع في اليمن"، وهو امر يتطلب موافقة مجلس الامن الدولي، كما ان العميد "احمد عسيري" الناطق باسم قوات التحالف اكد على امكانية عدة "عاصفة الحزم" من خلال تكرار "نفس عدد الطلعات القديمة التي نفذناها في عاصفة الحزم"، واضاف ان "عمل بري ممكن، جميع الخيارات مفتوحة"، وهو ما يعيد السعودية الى نقطة الانطلاق الاولى.

والغريب ان وجود وزير الخارجية الامريكي "كيري" الى جانب وزير الخارجية السعودي "الجبير" في الرياض، اطلق مبادرة سعودية تنص على "وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام في اليمن لأغراض إنسانية"، وسط تأكيدات كيري بان "لا السعودية ولا الولايات المتحدة تتحدثان عن إرسال قوات برية إلى اليمن"، والاغرب من هذا ان جميع هذه التصريحات لم تأتي عبر ايام او اسابيع من المحادثات او المشاورات، وانما هي مواقف تتفاعل خلال ساعات قليلة تتحدث عن هدنة انسانية، وخيار مفتوح بهجوم بري، وطلب بتدخل قوات اجنبية الى اليمن، اضافة الى تأكيد الولايات المتحدة الامريكية بعدم حديث الطرفين (الامريكي والسعودي) عن ارسال اي قوات برية الى اليمن.

كيري الذي يبدو متفائلا "بهدنة انسانية قصيرة" لم يخفي انه طلب من الجانب الايراني لإقناع الحوثيين بالموفقة على هذه الهدنة، وبالتالي وفي حال تحقيق هذا الامر وصمود الهدنة لفترة اطول، قد يسجل هذا الامر كنقطة دبلوماسية لإيران واعتراف ضمني لدورها الاقليمي في المنطقة، بعد ان تم تجاهل "النقاط الاربعة" التي طرحتها ايران في وقت سابق كمقترح لدى الامم المتحدة من قبل وزير الخارجية الايراني "جواد ظريف"، كما يعني اعتراف ضمني من قبل السعودية والمجتمع الدولي بجماعة "انصار الله" كجزء رئيسي من الحل في اليمن وليس جزءً هامشيا.

لكن السؤال المهم في حال رغب الجميع بالتهدئة وتطبيقها على ارض الواقع، هو ماذا يعني هذا التحول بالنسبة للسعوديين؟

وكيف سيسوقون الامر اعلاميا وسياسيا؟ وما هي الخطوة القادمة، خصوصا بعد القمة الرئاسية التي ستجمع القيادة السعودية الجديدة مع الرئيس الامريكي في منتجع "كامب ديفيد" خلال ايام قليلة؟

اضف تعليق