حين نزج بالدين في معركة الانسنة، وهذه هي الخطوة الثانية، فذلك لان الدين، وهو الاسلام على وجه الخصوص، يلعب دورا كبيرا في توجيه سلوك الانسان وعلاقته ومواقفه في المجتمع العراقي. وما دام الامر على هذه الشاكلة، فاننا امام خيارين: اما ان نبعد الدين عن حركة النهضة...
لا يمكن للمجتمع، اي مجتمع، ان يحقق النهوض الحضاري والقضاء على التخلف، قبل ان يحقق انسنة الحياة في مختلف مجالاتها وحقولها. وقد دلت التجارب الحضارية التاريخية الكبرى واخرها النهضة الاوروبية على صدق هذه المقولة حيث بدات حركة النهضة في القرن الرابع عشر باعادة الاعتبار الى الانسان واحترام كرامته واعلاء شأن فصائله، مع ظهور بترارك (1304 - 1374). ان الانسنة تعني اعتبار الانسان هدفا وغاية بحد ذاته بحيث تكون السياسة والحكم والدين والاقتصاد في خدمة الانسان وسعادته وليس العكس.
حين نستخدم مفردة “التخلف” فاننا نعني بها ذلك الخلل الحاد الذي يصيب #المركب_الحضاري والقيم الحافة والمصاحبة له. والمركب الحضاري يتألف من خمسة عناصر اولها الانسان، ثم الطبيعة والزمن والعلم والعمل. والانسان يلعب الدور المحوري في هذا المركب. واي برنامج تنموي للنهوض والقضاء على التخلف يجب ان يبدأ من الانسان، وانسنة مختلف جوانب الحياة. وتشمل الانسنة، على سبيل التمثيل وليس على سبيل الحصر: كرامة الانسان وقيمته العليا، وحقوق الانسان، وانسنة الدين، وانسنة الاقتصاد، وانسنة العلاقات الاجتماعية.
لا يمكن القضاء على التخلف من دون اعلان كرامة الانسان. وهذا اول ما تفعله الاديان السماوية عادة، لانها تبدأ بالانسان نفسه: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا”. واول من يعتدي على كرامة بني ادم هو الانسان نفسه، بغيا وجهلا وعدوانا، وهذا قمة الفساد “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ”. وقمة الكرامة الانسانية جعله خليفة عن الله في الارض: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً».
وكرامة الانسان تتحقق من خلال احترام منظومة حقوق الانسان التي نصت عليها الاديان السماوية ثم اصبحت جزءا من الشرعة الدولية التي اقرتها الامم المتحدة.
وحين نزج بالدين في معركة الانسنة، وهذه هي الخطوة الثانية، فذلك لان الدين، وهو الاسلام على وجه الخصوص، يلعب دورا كبيرا في توجيه سلوك الانسان وعلاقته ومواقفه في المجتمع العراقي. وما دام الامر على هذه الشاكلة، فاننا امام خيارين: اما ان نبعد الدين عن حركة النهضة، وقد برهنت التجارب السابقة في العالم الاسلامي ان هذه الخطوة تخلق من المشاكل اكثر مما تقدم من الحلول. فلا نعيدها في العراق ونحن ندعو الى فتح المعركة الحضارية من اجل التقدم والتنمية والقضاء على التخلف. او ان نأخذ بالخيار الثاني، وهو انسنة الدين وتوظيف قيمه الانسانية من اجل النهوض الحضاري، واصلاح الخلل في المركب الحضاري، وذلك انطلاقا من الفهم الحضاري الانساني للدين، بما في ذلك النظرة الايجابية للانسان والايمان بقدرته على فعل الخير بما اودع الله فيه من عناصر الصلاح والاستقامة وعلى راسها العقل المرشد الى الصلاح.
وهذا يتطلب التمييز بين الانسنة والاسلمة واعتبار الاولى مقدمة على الثانية، ان كان لابد من الثانية. لقد برهنت الخبرة التاريخية على ان التخلف الحضاري من اخطر العوامل على الدين وعلى التدين، وان التدين في محيط اجتماعي متخلف يؤدي الى انتاج دين شعبي متخلف يحول الدين الى عامل اعاقة عن النهوض الحضاري، والى “اسلمة التخلف” الامر الذي ينتهي بالمجتمع الى الهزيمة في المعركة ضد التخلف من جهة، وعدم القدرة على الاستفادة من الممكنات الحضارية والنهضوية التي يختزنها الدين من جهة اخرى.
كما يتعين زج التربية والتعليم في المعركة الحضارية وذلك بانسنة العملية التربوية عبر نظام تربوي يستهدف ايجاد الانسان الصالح الفعال المتحضر، من خلال مناهج دراسية تنطلق من الرؤية الانسانية للحياة.
اضف تعليق