q
هل ما حدث في عدن تم بالتنسيق مع أبو ظبي وعلم الرياض أو لا؟ كما ان عدم رفض أو انتقاد الإمارات ما قامت به القوات العسكرية التابعة لها، يدل على تأييدها لما حدث، وإلى غاية اليوم لا يوجد أي إعلان إماراتي ضد العملية التي أحرجت...

خلال ثلاثة أيام فقط سيطرت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من قبل الإمارات على مدينة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية المدعومة من قبل السعودية برئاسة عبدربه منصور هادي، بعد حرب عسكرية مع قوات هادي في المدينة، وتمكنها من السيطرة على المعسكرات والمقرات الحكومية وعلى قصر المعاشيق مقر الحكومة المؤقت وطرد الحكومة الشرعية من المدينة، في ظل صمت سعودي مريب.

عملية جعلت مسؤولين في الحكومة اليمنية الشرعية يعبرون عن غضبهم وعدم ثقتهم في التحالف العربي بقيادة الرياض الذي شن حربا على اليمن ودمر البلاد وسقط خلالها الملايين من الضحايا باسم الدفاع عنها، فقد صرح بعض أعضاء حكومة هادي بالقول: “إن اليمنيين فقدوا ثقتهم بالتحالف العربي بقيادة الرياض”.

أعضاء حكومة هادي الشرعية الذين هزموا في عدن لم يجدوا من يخرجهم من اليمن الجنوبي إلا القوات السعودية، التي لم تتحرك على الأرض لمساعدة قوات الرئيس هادي. والرياض التزمت الصمت طوال أيام الحرب في عدن، ولم تعلن عن موقفها حول ما يحدث إلا متأخرة بعد حسم المعركة من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي وإعلانه سيطرته الكاملة على مدينة عدن التاريخية الاستراتيجية في اليمن الجنوبي، ففي اليوم الرابع من الأحداث طالبت السعودية الجميع بإيقاف النار والأعمال الحربية فورا، مهددة باستخدام القوة العسكرية مع أي طرف لا يلتزم بذلك، كما انها دعت الجميع للحوار في جدة.

دعوة للحوار

جاءت دعوة السعودية للحوار لأطراف الأزمة في عدن بعد ان فرض المجلس الانتقالي واقعا جديدا على الأرض بسيطرته على عدن، عموما جميع الأطراف رحبوا بالدعوة للحوار، رغم الغضب وبالخصوص من قبل حكومة هادي التي لا تهش ولا تنش في تقرير مصير اليمن. كما ان رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي رحب بالدعوة والجلوس على طاولة الحوار مع حكومة هادي في السعودية، مؤكدا تمسكه وتأييده للتحالف. فالمجلس يحاول مسك العصا من المنتصف وابقاء علاقة قوية مع السعودية وتأييده للتحالف في حربه ضد الحوثيين، بينما يرفض سيطرة حكومة هادي على جنوب اليمن.

الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي رحبت بدعوة المملكة للحوار، وزار ولي عهد أبو ظبي جدة على عجل والتقى بالعاهل السعودي وأعلن ترحيب بلاده للحوار بين الأطراف اليمنية، مؤكدا أن الإمارات تقف مع السعودية في خندق واحد، وتم الاتفاق على تشكيل لجنة سعودية إماراتية للإشراف على حل الأزمة في عدن. زيارة ولي عهد الإمارات زادت من حدة غموض العلاقة بين الرياض وأبو ظبي على الساحة اليمنية وبالخصوص في عدن.

وتطرح تساؤلات حول ما شهدته عدن مؤخرا، هل ما حدث في عدن تم بالتنسيق مع أبو ظبي وعلم الرياض أو لا؟ كما ان عدم رفض أو انتقاد الإمارات ما قامت به القوات العسكرية التابعة لها، يدل على تأييدها لما حدث، وإلى غاية اليوم لا يوجد أي إعلان إماراتي ضد العملية التي أحرجت السلطات السعودية إذا كانت على علم مسبق بحراك القوات الجنوبية وانها كانت تتوقع ان يحدث بسيناريو مختلف، ولعل هناك سوء تقدير من الطرفين، لأنها تبحث عن واقع جديد وتحقيق انتصار على الساحة اليمينة ولو باسم القوات الجنوبية الموالية للإمارات، لحفظ ماء وجهها وهيبتها، قبل إعلان ايقاف الحرب على اليمن التي أصبحت تسبب لها حرجا، ولتغطية فشلها الذريع هناك وعدم قدرتها على هزيمة الحوثيين في الشمال، وتعرض العمق السعودي للقصف من قبل قوات أنصار الله ما كشف مدى ضعف القوات السعودية غير القادرة على حماية أراضيها بعد 5 سنوات من شن الحرب ضد اليمن.

موقف الرياض والتزامها الصمت يضع أكثر من علامة استفهام، فهي لم تصف ما حدث بأنه انقلاب على الحكومة التي تسميها بالشرعية، رغم انها شنت حربا تدميرية ودموية ضد الشعب اليمني باسم الدفاع عنها وحمايتها تحت مسمى التحالف السعودي العربي، وصرفت مئات المليارات من الدولارات، وتعرضت سمعتها للانتقاد لشنها الحرب واستخدام القوة المفرطة من الطائرات الحديثة والصواريخ الذكية في تدمير اليمن ومنشآته الحيوية كالمطارات والموانئ وفرض حصار جوي وبحري وبري ما أدى لانتشار الجوع والمرض وحدوث أعظم كارثة إنسانية في العصر الحالي.

الرياض الخاسر الأكبر

الرياض هي الخاسر من استمرار الحرب العبثية ضد الشعب اليمني فقد أصبحت وحيدة في التحالف الذي أنشأته باسم العربي الذي فشل في تحقيق أي مكاسب على الأرض، ويمثل ما حدث في عدن خسارة كبيرة للرياض وضربة لمشروعها وتحالفها، ولحكومة هادي الشرعية، وقد قال عبد الملك المخلافي، المستشار بالرئاسة اليمنية ووزير الخارجية السابق لحكومة هادي “‏على التحالف العربي أن يدرك حجم ما حدث في عدن، ومخاطره حتى وإن كانت بعض أطرافه مشاركة في ذلك”.

رئيس الحكومة عبدربه منصور هادي رغم خطورة تطورات الأحداث في عاصمته المؤقتة عدن، فقد حافظ على هدوئه ولم يبد موقفا من ما حدث. أما وزير الداخلية أحمد الميسري الذي تمكن من الهرب من عدن عبر طائرة سعودية فقد عبر عن غضبه الشديد من الصمت السعودي ومن الشريك الإماراتي إذ قال: “إن السعودية صمتت على ما جرى لنا لمدة 4 أيام، وشريكنا في التحالف (الإمارات) يذبحنا من الوريد للوريد”. وحملت وزارة الخارجية التابعة للحكومة اليمنية الشرعية ما جرى من انقلاب في عدن حسب وصفها إلى الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي، مطالبة بوقف النار وتوقف الإمارات عن دعمها “المجاميع المتمردة على الدولة” حسب وصفها.

أحداث عدن أثبتت من جديد ان حكومة هادي الشرعية مجرد أداة بأيدي من يشنون حربا على شعبه، لتحقيق مصالح ونفوذ دول خارجية، فهي مصدومة ولا تدري ماذا تفعل وهذا يذكرنا بعدم علم هادي بشن الحرب على بلاده “عاصفة الحزم” إلا بعد هروبه من الأراضي اليمنية متوجها إلى الرياض.

نصر إماراتي

الإمارات شريكة السعودية في التحالف هي الرابح في عدن فقد تمكنت من تحقيق أهدافها بفرض قواتها والموالية لها على أرض جنوب اليمن وبالخصوص على السواحل لتحقيق حلمها في إقامة مشاريعها التجارية عبر موانئ استراتيجية، ثم إعلانها عن الانسحاب من التحالف العربي والابتعاد عن أي خطوط التماس مع الحوثيين، فهي لا تريد التورط في المستنقع اليمني وليست قادرة على تحمل تكلفة تلقي الضربات من قبل الحوثيين على بلادها. ومن صالحها سيطرة قواتها الموالية على جنوب اليمن وإعلان دولة مستقلة بأقل الخسائر.

ما حدث في عدن هو نصر للإمارات وللقوات الجنوبية التابعة لها كالمجلس الانتقالي وكذلك الحزام الأمني وألوية العمالقة وغيرها، ولشعب الجنوب الذي يتطلع لعودة دولة الجنوب المستقلة بعد فشل مشروع الوحدة مع الشمال نتيجة أخطاء كثيرة وقد أكد عضو هيئة المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، ناصر الخبجي “أن استقلال دولة الجنوب سيحدث والمجلس يقترب منه، وهذا يخدم الجنوب والسلام في اليمن ودول المنطقة والعالم” مضيفا “نحن ندعو إلى استعادة استقلال دولة الجنوب، وليس الانفصال، فالجنوب كان دولة قائمة ومعترفا بها دولياً في كافة المحافل الدولية والأمم المتحدة، وهذا أمر ليس وليد اللحظة أو الحرب الأخيرة، بل هو يعود إلى حرب عام 1994 التي شنتها دولة اليمن الشمالي ضد دولة الجنوب”. وقد شهدت مدينة عدن تظاهرة حاشدة مؤيدة للمجلس الانتقالي واستعادة دولة الجنوب.

ما يحدث في عدن يشكل حرجا شديدا للسعودية الوحيدة في التحالف العربي والمتورطة في مستنقع الحرب على اليمن، ويعبر عن وجود خلاف سعودي إمارتي لا يزال غير معلن لغاية اليوم. فالوضع أصبح معقدا في ظل التحارب بين الحلفاء على الأرض اليمنية، ما يشكك في مصداقية وجوده. فهل سنشهد عودة اليمن الجنوبي كدولة مستقلة، عبر انقلاب سعودي؟

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق