q
في الدول الحضارية الحديثة تتجنب ادارات الدولة المحلية مثل هذه الازمات والمشكلات بالعودة الى الجمهور قبل القيام بالكثير من الاعمال. اذا اراد احدهم ان يفتتح بارا في المنطقة، او ان يحدث تغييرا في تصميم بيته الخارجي، فان عليه ان يستحصل الاذن من السلطات المحلية...

"كشف حادثة كربلاء"، والقراء يعرفونها بالاسم فلا اجد ضرورة لتكرارها، عن خاصية موجودة لدى شريحة، الله اعلم بحجمها، في المجتمع العراقي. فبغض النظر عن البيانات الرسمية التي صدرت من بعض المراجع الحزبية والسياسية، فقد دخل الجمهور، وخاصة جمهور الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، بحدة في حلبة التراشق بالكلمات. وفي حالات كثيرة ترك المعلقون اصلَ الموضوع وانقسموا فريقين، مهاجمين؛ احدهما يهاجم الاخر مستخدما كل ما تملكه اللغة العربية الفصحى والدارجة من الفاظ قاسية، وبعضها فاحشة. واللفظ الفاحش هو كل ما جاوز الحد في التعبير عن راي صاحبه. الخاصية التي اقصدها هي النزعة الصراعية الحادة المتبادلة السريعة الاستثارة في موضوع الصراع. وكان الناس المقصودين بكلامي لا يميلون الى الهدوء والدعة والسكينة والسلام. كشف السجال الحاد عن وجود فريقين في المجتمع العراقي لايكن احدهم الود والحب للاخر. بينهما مشاعرُ نفرةٍ وغضب، ولا اقول كره حتى لا أُتهم بالمبالغة، مشاعر تتراجع معها الى الافق البعيد كل مقولات الديمقراطية عن التعايش والتسامح وقبول الرأي الاخر والاحترام المتبادل، وتتصاعد معها كل نزاعات الحاق الاذى والضرر والتسقيط وتشويه السمعة والاتهامات المتبادلة.

في ظل هذا الصخب، كان الصوت الوحيد المسموع هو "صمت" المرجعية عن المسالة برمتها، والامر قد حصل في ساحتها الداخلية، وهو قريب منها الى حد الملامسة. ومع ذلك، المرجعية الدينية سكتت عن الموضوع في خطبة الجمعة الماضية، رغم ان الكثيرين كانوا ينتظرون كلمتها في الامر كونها المسؤولة المباشرة عن موضوعه. ولابد ان هذا السكوت افرح البعض، واثار حزن البعض الاخر، كل لسببه؛ لكن ما يهمني في هذا الصدد هو دلالة هذا السكوت. وقد سألت بعض القريبين من اجواء المرجعية فقال لي: "ان منهج المرجعية ان لا تتدخل في القضايا البسيطة او الاختلافات الجزئية لان تدخلها سيحول تلك الاختلافات الى شرخ مجتمعي وصراعات دائمة." وقد وجدت لهذا الرأي شواهدَ من التاريخ وادلةً من الواقع. وفسر قريب اخر سكوت المرجعية باربعة امور هي:

"الأول: أرض الملعب ليست أرضا مقدسة، بل هي أرض الله كحال بقية أراضي البلد.

الثاني: ما حدث في الملعب خطأ غير مقصود يمكن معالجته بالعقل والحكمة وليس بالضجيج وإثارة مشاعر الناس.

الثالث: هناك مواضيع أهم من أحداث الملعب لابد للحكومات الاتحادية والمحلية والسياسيين والعلماء والمعممين ان يهتموا بها ويصرفوا أوقاتا فيها.

الرابع: رسالة إلى الوقف الشيعي بسحب دعواه القضائية وضرورة الاهتمام بوضعه الداخلي غير المحصّن عن الفساد والمحسوبية كأي دائرة حكومية".

ومما يؤكد الامر الثالث على وجه الخصوص ان المرجعية اكدت على مشكلة الخريجين بتفصيل كبير يدل على اهتمام اكبر بالموضوع تجاوز حادثة كربلاء.

في الدول الحضارية الحديثة تتجنب ادارات الدولة المحلية مثل هذه الازمات والمشكلات بالعودة الى الجمهور قبل القيام بالكثير من الاعمال. اذا اراد احدهم ان يفتتح بارا في المنطقة، او ان يحدث تغييرا في تصميم بيته الخارجي، فان عليه ان يستحصل الاذن من السلطات المحلية التي لن توافق قبل ان تستفتي الجمهور.

تقول المادة (10): "العتبات المقدسة، والمقامات الدينية في العراق، كياناتٌ دينيةٌ وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها".

ويبدو ان هذه المادة بحاجة الى الكثير من الشرح والتفصيل.

ومن نقاط التفصيل المطلوبة: تعريف العتبات والمقامات مفهوما ومصداقا، وتحديد مساحاتها، وبيان كيفية انتهاك حرمتها ومن هو صاحب السلطة في اصدار حكم كهذا، وماهي الاثار القانونية او الجزائية المترتبة على ذلك.. الخ.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق