من قطر الى السعودية والامارات، وحتى مصر ولبنان، قامت الحكومة الفرنسية بحركة دؤوبة لجني ثمار صفقات بيع السلاح والتكنولوجيا الفرنسية، وبالأخص طائرات "رافال"، سيئة الحظ، المصنعة من قبل شركة "داسو" الفرنسية لصناعة الطائرات، والتي عجزت لمدة قرن عن بيع طائرة واحده خارج حدود فرنسا، كما ان العديد من التفاهمات جرت مع دول كبيرة مثل البرازيل والهند على إتمام صفقة الطائرات لكنها غالبا ما تتعثر في اللحظات الأخيرة.

لكن على ما يبدو فان هذا الحظ السيء قد انتهى، فقد باعت فرنسا خلال اشهر اكثر من 80 طائرة دفعة واحدة، كما ان عقود بمليارات الدولارات لسنوات قادمة بدأت تدخل في خزانة الشركات والحكومة الفرنسية على حد سواء، وشملت هذه العقود أسلحة خفيفة وثقيلة وصواريخ (منها صواريخ إم.بي.دي.إيه الفرنسية)، وتدريب الطيارين والفنيين، إضافة الى التعاون الأمني والاستخباري السري، وقد ذكر مراقبين وخبراء عدة أسباب لهذا النجاح المفاجئ للصناعة الحربية الفرنسية في الشرق الأوسط، وبالأخص لدى دول الخليج وحلفائها (حيث كانت مصر اول دولة توقع على عقد طائرات رافال، إضافة الى لبنان التي سلحتها السعودية بصفقة مع فرنسا تجاوزت ثلاثة مليارات دولار)، لكن ما يهمنا هو البحث عن السبب السياسي الذي يقف خلف هذه الصفقة الخليجية التي حركت السوق الفرنسية، سيما وانها تزامنت مع دعوة خليجية وجهت الى الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" لحضور "القمة التشاورية الخليجية" لمجلس التعاون الخليجي، والتي اعتبرت الدعوة الأولى لرئيس غربي الى قمة خليجية منذ تأسيس المجلس في عام 1981.

القمة التشاورية التي ستباشر اعمالها في الخامس من الشهر الحالي، ستتناول ثلاث أمور مهمه بحسب ما تناقلته القنوات الرسمية والدبلوماسية:

- مكافحة الإرهاب والتطرف لدى الحركات التي تدعي الفكر الجهادي والإسلامي.

- مناقشة الازمة اليمنية ودعم الحملة العسكرية للحالف العربي بقيادة السعودية، إضافة الى مناقشة سبل الحل السياسي.

- بحث الازمة السورية، والموقف الفرنسي المشابه لوقف معظم دول مجلس التعاون (السعودية، الامارات، البحرين، قطر) في رحيل نظام الأسد باستخدام القوة او خلق مناطق امنة داخل سوريا (وهو موقف تركي ايدته فرنسا وقطر وعارضته الولايات المتحدة الامريكية).

- الملف النووي الإيراني المثير للقلق الخليجي، وقرب التوصل الى اتفاق نهائي مع القوى الكبرى الست (وفرنسا طرف رئيسي في المباحثات)، وكما هو معلوم ففرنسا كانت أكثر القوى تشددا في الملف النووي الإيراني، وتطلب اقناع فرنسا من قبل الولايات المتحدة الامريكية جهدا استثنائيا من وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، والسفر عدة مرات الى باريس في اللحظات الأخيرة لانتهاء المهلة وما بعدها، بعد انسحاب فرنسا من المباحثات لأكثر من مرة.

من قطر وقبل ان يوجه الرئيس الفرنسي الى السعودية، أشار "هولاند" عن "شرفة" بحضور هذه القمة بعد توجيه الدعوة له، واستعرض دور فرنسا في ملفات سياسية مهمة قد تغري الخليجيين وتقنعهم بالمزيد من التعاون المستقبلي، الذي سيكون له ثمن بالتأكيد حيث قال "في سوريا، نسعى للتوصل لحل انتقالي يستثني بشار الأسد ويضم كل مكونات المعارضة السورية، كما أنه يضم بعض مكونات النظام"، وأضاف "في العراق، نسعى للمشاركة بالتحالف من أجل ضرب الإرهابيين"، كما تسعى أيضا للمساهمة بحل الملف النووي الإيراني" وختم القول "لكل هذه الأمور، إن دعوتي لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي شرف، وفي الوقت ذاته دليل على الثقة بفرنسا ومصداقيتها"، كما ان وزير الدفاع الفرنسي "جان إيف لودريان" قال أيضا "إن فرنسا في هذه المنطقة من العالم تنتهج استراتيجية منسجمة ومفهومة"، وهي قريبة جدا من استراتيجية دول الخليج.

والتوقيت كان مناسبا للفرنسيين لإقناع دول الخليج، وبالأخص السعودية، بعد التغيرات السياسية الأخيرة فيها، حيث بات التقارب ممكنا في ضل وجود الملك "سلمان" ونجله "محمد"، في قمة الهرم السياسي للملكة، ومن المحتمل ان يرافق "محمد بن سلمان" والدة لزيارة فرنسا قبل التوجه الى الولايات المتحدة الامريكية الأسبوع المقبل لعقد اجتماع مهم مع الرئيس الأمريكي "أوباما" في منتجع "كامب ديفيد"، بالمقابل فان وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية "كيري" سيتوجه أيضا الى الرياض حيث سيناقش مع قادتها اهم القضايا الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، بعدها ستوجه الى باريس ليلتقي بالعديد من المسؤولين الفرنسيين، ولعل اهمهم وزير الخارجية الفرنسي "فابيوس"، ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي.

ويبدو ان سحر الأموال الخليجية دفع الولايات المتحدة الامريكية لزيارات مكوكية الى الشرق الأوسط، بعد ان تمكنت فرنسا من فتح خط مالي ضخم مع عدد من العواصم الخليجية، في الوقت الذي ما زالت فيه علامات الانزعاج الخليجية من الدور الأمريكي تجاه الازمات في سوريا واليمن والعراق، إضافة الى التعاطي الأمريكي مع الملف النووي الإيراني واضحة، بعد ان قيمت بأن أدائها لم يكن مقنعا لحلفائها في الخليج.

اضف تعليق