صوّت مجلس النواب العراقي على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨، هذا القانون كان قد شُرع العام الماضي ونُشر في الجريدة الرسمية في حزيران ٢٠١٨، وبعد تجربة انتخابات مجلس النواب الأخيرة دخل هذا التعديل في سياق تلافي المؤاخذات التي سجلت في تلك...

صوّت مجلس النواب العراقي على تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات رقم ١٢ لسنة ٢٠١٨، هذا القانون كان قد شُرع العام الماضي ونُشر في الجريدة الرسمية في حزيران ٢٠١٨، وبعد تجربة انتخابات مجلس النواب الأخيرة دخل هذا التعديل في سياق تلافي المؤاخذات التي سجلت في تلك الانتخابات إضافة إلى تعديل بعض الصياغات في القانون لتنسجم مع مقتضيات مطالب القوى السياسية ولتسهيل إجراء انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي.

وبعد أن قرأت مقترحات التعديل الأول قراءة أولى وقبلها مناقشات أستمرت أربعة أشهر، حسم التصويت على التعديل الأول في جلسة مجلس النواب يوم الاثنين ٢٢ تموز ٢٠١٩، وفعلا تم التصويت على ٢٢ مادة بين تعديل وإضافة وحذف، رغم اعتراضات بعض الأطراف على التعديل، تتعلق بانتخابات كركوك والاختلاف حول إجرائها لأسباب تتعلق بهوية كركوك وتحديث سجل الناخبين وتوزيع المناصب على المكونات بالتوازن الوطني (مما أدى إلى انسحاب نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني من الجلسة)، وطالبوا إيجاد تعديل آخر للقانون، إضافة إلى مطالب تريد إلغاء اعتماد نظام سانت ليغو المعدل في احتساب الأصوات، إضافة لمطالبات بإلغاء مجالس المحافظات برمتها نتيجة عدم فاعليتها.

وبخصوص التعديل الأول للقانون سنحدد أهم تلك التعديلات ونضع بعض الملاحظات عليها وفق معطيات الظرف السياسي والقانوني للانتخابات وكالآتي:

1- إن عدد مواد القانون الأصلي ٥٢ مادة، وعدد التعديلات على المواد وصل إلى ٢٢ تعديل مع إضافة بعض مواد جديدة وحذف البعض الآخر، مع ملاحظة أن الحكومة قدمت مقترحات للتعديل لم يؤخذ بأغلبها بل أخذ بمقترحات لجنتي الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

2- من ضمن التعديلات الأساسية في القانون هي إضافة قوات البيشمرگة للقوات المسلحة للمشاركة في الانتخابات في المحافظات غير المنتظمة في إقليم، إذ لم يشر القانون الأصلي إلى اشتراكهم، وهنا قد يفهم أن هنالك تواجد لهذه القوات في المناطق المتنازع عليها في نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى تشكل خزين انتخابي للقوى الكردية.

3- من التعديلات المطروحة هو تنزيل سن الترشيح إلى ٢٥ سنة، وكان هذا مقترح مشروع الحكومة في حين مقترح لجنة الأقاليم والمحافظات الذي أعتمد في التعديل كان تخفيض سن الترشيح إلى ٢٨ سنة في يوم الاقتراع إضافة إلى إمكانية ترشيح حملة شهادة الإعدادية والدبلوم إلى ٢٠% ضمن القائمة الانتخابية، والمتبقي يشترط أن يكون المرشح حاملا لشهادة البكالوريوس أو ما يعادلها، وهذا قد يفسح فرصة للشباب دون سن ٣٠ بالانخراط في الترشيح لكن قد يتصادم مع التعديل أدناه.

4- تقليص أعضاء مجالس المحافظات لعشرة مقاعد لكل مليون ناخب ويضاف لها مقعد لكل ٢٠٠,٠٠٠ للمحافظة. وهذا بحد ذاته منجز مهم في تقليص الموارد واستيعاب الصراعات السياسية لكنه قد لا يفسح لوجود الشباب في المجالس الجديدة، إضافة إلى أنه قد يكرس هيمنة الأحزاب الكبيرة في السيطرة على تلك المجالس وهذا ما سيعمل على تسهيل حدوثه التعديل أدناه.

5- تعديل في آليات اعتماد نظام سانت ليغو فالقانون الأصلي اعتمد على أن تكون قسمة الأصوات الصحيحة على (1,7)، وطرحت الحكومة مقترح اعتماد القسمة على (1,9)، أما البرلمان فقد اقترح أربع مقترحات تم التصويت على أن يكون اعتماد مقترح الحكومة باعتماد القسمة على (1,9)، وحقيقة كان الأجدر اعتماد النظام الانتخابي لأعلى الأصوات بشكل كامل دون اللجوء إلى معادلة سانت ليغو المعدلة والمعقدة، لأنه ومع تقليص عدد أعضاء مجالس المحافظات إلى النصف تقريبا فأن فرص الأحزاب الصغيرة والمستقلين والقوائم المنفردة ستكون شبه منعدمة بالفوز.

6- اعتماد التعديل على إلزام الناخب حصوله على بطاقة الكترونية محدثة بايومتريا وأيضا اعتماد نظام العد والفرز الإلكتروني في إعلان النتائج، وسجلت بعض الاعتراضات حول ذلك وطلب اعتماد نظام التصويت بالهوية البايومترية فقط لتلافي التزوير في عملية الاقتراع، رغم إيراد مادة تنص على إتمام عملية تطابق البصمات لجميع الناخبين (عام وخاص) بعد عملية الاقتراع بـ(10) أيام ويتم إحالة المخالفين للمحاكم المختصة على أن يتم تغذية جهاز التحقق في محطات الناخبين للمسجلين بايومترياً وعلى أن يتم فحص أجهزة التحقق قبل عملية الاقتراع، وهذه قد تشكل صعوبة في ضمان إجراؤها وكيفية التحقق منها.

7- أيضا تضمن التعديل الانتخابات المتعلقة بأوضاع النازحين والمهجرين بإلزام حصولهم على بطاقة الناخب البايومترية طويلة الأمد أو الكترونية صادرة في مناطق نزوحهم، إذا لم يتم توزيع ٧٥% من البطاقات البايومترية مع إلغاء مراكز الحركة السكانية في إجراء الانتخابات، وهذه المادة وضعت في سياق مواجهة شبهات التزوير الحاصلة في الانتخابات السابقة أيضا.

8- من التعديلات المثيرة للجدل هو اشتراط عدم شمول المرشح بقانون العفو العام عن جرائم الفساد المالي والإداري والمخلة بالشرف لكن ربط التعديل أن يكون هنالك حكم قضائي قطعي، بمعنى أن من تدور حوله شبهات فساد أو لم يصدر الحكم النهائي قبيل يوم الاقتراع يحق له الترشيح وكسب عضوية المجلس، وأيضا يسمح لمن ارتكب جرائم لكن غير مخلة بالشرف والفساد، بإمكانه الترشيح. وأيضا كان هنالك مقترح في التعديل بأن يمنع مزدوجي الجنسية من الترشيح بعد أن قرأ القراءة الأولى، لكن يبدو أنه رفع لأنه سيفتح باباً على شاغلي المناصب العليا في الدولة.

9- من المواد المهمة التي اقترحتها الحكومة هو منع سحب مقعد العضو الفائز من قبل القائمة أو رئيسها لأي سبب كان ويأتي بعد العضو المنسحب أو المستقيل المرشح الحاصل على أعلى الأصوات من في القائمة ذاتها، إضافة إلى عدم السماح للأعضاء الفائزين بالتنقل من كيان لكيان بعد إعلان النتائج، لكن لم يصوت عليها وحذفت.

10- حدد مقترح التعديل الحق لمجلس الوزراء والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تحديد مواعيد الانتخابات، ماعدا موعد إجراء الانتخابات القادمة فحددها مجلس النواب يوم ١/٤/٢٠٢٠، لضمان إجراؤها، وهنا كانت محاولة سابقة في المقترح أن يتم إخضاع المفوضية لرقابة مجلس النواب لكن حذفت.

11- تعديل في تحديد موعد إجراء تصويت العسكريين وقوى الأمن الداخلي والحشد الشعبي والبيشمرگة من يوم الانتخابات إلى ٤٨ ساعة قبيل الموعد، وفق بطاقة بايومترية حصرا، مع مراعاة تصويت هذه الفئات خارج الوحدات العسكرية، حتى لا يتعارض التصويت مع الحفاظ على الأمن العام.

12- إضافة مادة جديدة حول منع تعديل هذا القانون خلال الفترة الممتدة من يوم الاقتراع حتى المصادقة النهائية على النتائج، لاستقرار النتائج وعدم هيمنة فرض رؤية طرف معين إذا ما شعر بالخسارة أو تعارضت النتائج مع مصالحه.

13- تعديل يتعلق بضمان مقاعد المكونات من المسيحيين كافة مع الصابئة والكُرد الفيلية والإيزيديين والشبك في مجالس المحافظات (بغداد، نينوى، واسط، ميسان، البصرة)، مع إغفال المكون التركماني في ضمان وجود مقعد لهم في محافظة بغداد مثلا.

14- في الفصل السادس في القانون الأصلي أشار إلى إجراء الانتخابات في محافظة كركوك وفقا للإحكام هذا القانون ووضع شروطا تتعلق بقيام مفوضية الانتخابات بالتنسيق مع وزارات الصحة والتجارة والداخلية والتخطيط بإجراء تحديث وتدقيق لسجلات الناخبين مع الإتفاق على توزيع المناصب العليا الثلاثة: المحافظ ونائبه ورئيس مجلس المحافظة، وأمور أخرى تتعلق بالتوازن الوطني لمكونات المحافظة في المناصب المعنية، ويبدو أن هذه الاعتبارات كان محل نقاش في التعديل لعدم القدرة على تحقيقها، وقد يترك أما أن يقوم المجلس المنتخب بهذه المهام بعد ستة أشهر من انتخابه (أو قد تؤجل الانتخابات في كركوك)، لكن أشارت مادة التعديل إلى قيام الحكومة بتأمين فتح المقرات للأحزاب السياسية وقيامها بالدعاية الانتخابية، مما فرض واقعا إلزاميا بإجراء الانتخابات في كركوك في الموعد المحدد بتعديل القانون مما يفتح مجالاً للصراعات السياسية بين مكونات كركوك لأن إجراؤها يعطي رسائل بحسم مصير كركوك وتبعيتها للحكومة الإتحادية في حين تحارب القوى الكُردية على خلاف ذلك، رغم ضمان القانون أن الانتخابات في كركوك لا تؤثر على حسم هوية كركوك مستقبلا، لكن هنالك أزمة ثقة في هذا الموضوع.

حقيقة هذه التعديلات للقانون لم تناقش كل المعطيات والمشاكل وتركت الباب مفتوحا لاستمرار الأزمات والصراعات السياسية منها حالة كركوك وقضية رقابة عمل مفوضية الانتخابات إضافة إلى وضع إمكانية لتأجيل انتخابات مجالس المحافظات أو تأجيلها في محافظة أو أكثر باقتراح من الحكومة والمفوضية وموافقة مجلس النواب، مما يفتح المجال إلى تعطيل إجراء الانتخابات للمحافظات في الدولة الاتحادية التي لم تجرى منذ عام ٢٠١٣ بالنسبة للمحافظات و٢٠٠٤ للأقضية والنواحي ومجالس البلدية، ناهيك عن وضع إقليم كُردستان فيما يتعلق بإجراء انتخابات مجالس المحافظات فيها، رغم سريان مفعول قانون رقم ٤ لسنة ٢٠٠٩ الخاص بانتخابات مجالس المحافظات في الإقليم وارتباط عمل تلك المجالس بحكومة وبرلمان الإقليم، إلا أن تلك الانتخابات لم تجرى بالإقليم منذ عام ٢٠١٤ وأجريت ممارسة انتخابية واحدة قبلها في عام ٢٠٠٥، وهذا يؤشر إلى سلبيات كبيرة في عمل المحافظات سواء المنتظمة في إقليم أو غير المنتظمة، وعدم إحترام مبدأ اللامركزية ووجود نزعات جدية للمركزية، في حين التجربة العراقية وفق دستور عام ٢٠٠٥ توضح أهمية اللامركزية الإدارية في العراق.

فاللامركزية والحكومات المحلية ركيزة أساسية للممارسة السياسية للمجتمعات المحلية نتيجة للمهام الإدارية والخدمية والتمثيلية التي تنجز من خلالها في الأنظمة الديمقراطية، فكلما كانت هذه الهيئات المحلية فاعلة وقادرة على أداء دورها تعتبر مؤشرا على طبيعة ونوعية النظام السياسي الفاعل، إذ تعد الحكومات والإدارات المحلية من أصول الدولة الديمقراطية الحديثة المعبرة عن مبدأ السيادة الشعبية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق