ظاهرة الربيع العربي، أبانت عن بعض العيوب التي تعاني منها بعض جماعات الإسلام السياسي وبالذات فيما يرتبط والشأن السياسي سواء كان اليومي أو الاستراتيجي. وإن هذه العيوب، فوتت الكثير من الفرص على هذه الجماعات، وأوقعتها في أخطاء جعلتها دون قدرتها واستطاعتها على الوصول إلى أهدافها...
منذ عام 2011م وهو العام الذي انطلقت فيه ظاهرة الربيع العربي في بعض البلدان العربية، وأفضت في بعضها إلى تغيير بعض أنظمتها السياسي وتبديل نخبتها السياسية والإسلام السياسي وهو مجموع الحركات والجماعات والمؤسسات الإسلامية، التي تمتلك رؤية ومشروعا سياسيا، وتسعى نحو تحقيقه في البلدان الذي تتواجد فيه، يعاني من صعوبات ومشاكل حقيقية.
بمعنى أن ظاهرة الربيع العربي، أبانت عن بعض العيوب التي تعاني منها بعض جماعات الإسلام السياسي وبالذات فيما يرتبط والشأن السياسي سواء كان اليومي أو الاستراتيجي.
وإن هذه العيوب، فوتت الكثير من الفرص على هذه الجماعات، وأوقعتها في أخطاء وخطايا جعلتها دون قدرتها واستطاعتها على الوصول إلى أهدافها السياسية.
وإن هذه العيوب كما يبدو مركوزة في عمق البنيان النظري لهذه الجماعات، وإن اندفاع الناس في الربيع العربي للتعبير عن ذاتها ونيل مرادها وأهدافها السياسية، هو الذي عرفنا بهذه العيوب والأخطاء.
بمعنى أن الذي كان يستر هذه العيوب، هو توقف أو بطء الحركة السياسية في الكثير من البلدان العربية.
وأن اندفاع بعض الشعوب العربية في ظاهرة ما يسمى بالربيع العربي وتحرك غالبية الفئات والشرائح، هو الذي كشف عن هذه العيوب.
وعلى كل حال نستطيع القول: أن بعض جماعات الإسلام السياسي، خسرت سياسيا بعد ظاهرة الربيع العربي ما لم تخسره طول فترة وجودها في النشاط الديني والاجتماعي. وإن بعض الأطراف التي لم تحسم أمرها من مشروع هذه الجماعات، حسمت أمرها بعد ظاهرة الربيع العربي من جراء بروز العيوب السياسية لجماعات الإسلام السياسي. ولهذا فإن السؤال الأساسي الذي يبحث عن إجابات تحليلية ـ علمية هو: ما هي أهم العيوب السياسية التي وقعت فيها بعض جماعات الإسلام السياسي في حقبة الربيع العربي وبعدها.
نتمكن من تحديد الإجابة على هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
1ـ المفارقة بين المبادئ والبرامج:
لعلنا لا نأت بجد يد حين بيان أن متطلبات العمل الديني والتنموي والاجتماعي تختلف عن متطلبات العمل السياسي بكل تلاوينه.
وإن جماعات الإسلام السياسي في أغلبها، نجحت في توفير حاجات ومتطلبات العمل الديني والدعوي والخدمي، وسجلت منجزات متميزة على هذا الصعيد.
إلا أن نقل العدة النظرية لهذا النجاح إلى الحقل السياسي، هو الذي أضر بالعمل السياسي، وأبان عن نواقص جوهرية في مسيرة هذه الجماعات السياسية. لأنه ببساطة شديدة العمل الدعوي والاجتماعي، يختلف جوهريا عن العمل السياسي. وإن الإنسان الناجح في الحقل الأول من النشاط، ليس بالضرورة قادرا على النجاح في الحقل السياسي. وإسقاط تجربة النجاح في الحقل الدعوي والخدمي على حقل العمل السياسي، تعد مجازفة كبرى أفقدت بعض جماعات الإسلام السياسي بعض سمعتها الاجتماعية وعكس فقر هذه الجماعات إلى الكفاءات السياسية القادرة على الإضافة في النشاط السياسي بكل تلاوينه.
لهذا فإننا نتمكن من القول: أن الخلط الدائم على المستوى البشري بين الحقل الدعوي والخدمي والحقل السياسي، هو أحد إخفاقات بعض جماعات الإسلام السياسي. فالإنسان الذي ينجح في العمل الدعوي ليس بالضرورة قادرا على النجاح في الحقل السياسي.
كما أن اتضاح الرؤية الواقعية للمسافة الكبرى التي تفصل المبادئ عن البرنامج السياسي، هو الذي أيضا أبان عن عدم قدرة البرنامج السياسي لبعض هذه الجماعات في إقناع الجمهور بها.
فالمبادئ والقيم الكبرى التي طرحتها هذه الجماعات، لا يختلف عليها أحدا، لأنها مبادئ إسلامية أصيلة وتلامس الرؤية الدينية العميقة لدى الإنسان المسلم. إلا أن البرنامج السياسي المستنبط من هذه المبادئ، لم يكن بمستوى تطلعات الناس وإيمان الناس بقدرة هذه الجماعات على إحداث تحول إيجابي يطال كل جوانب الحياة.
فالمفارقة بين المبادئ والبرنامج، ووجود مسافة كبرى تفصل بينهما، والخلط المتعمد بين الدعوي والسياسي، كل هذا عكس إختلالا في طبيعة الرؤية السياسية التي تحملها بعض هذه الجماعات وأبانت في المجمل عن عيوب سياسية عميقة تعاني منها جماعات الإسلام السياسي. وظاهرة الربيع العربي بكل زخمها وتحولاتها، هي التي كشفت هذه العيوب. وأبانت في بعض جوانبها عن بدائية العمل السياسي لدى هذه الجماعات.
حسم الصراع السياسي الموجود لصالحها
2ـ حين التأمل العميق في ظاهرة الربيع العربي، نتمكن من اكتشاف أن طبيعة هذه الظاهرة، لا توفر لأي طرف سياسي في البلدان العربية التي طالتها هذه الظاهرة لتحقيق انتصار سياسي نهائي وكاسح.
وإن هذه القوى مهما أوتيت من قدرات جماهيرية وخدمية إلا أنها لن تتمكن من توظيف هذه المكاسب لإنجاز نصر سياسي كاسح ونهائي.
فكل أوضاع الربيع العربي، كانت توحي أن كل هذه الجماعات بوحدها مهما أوتيت من قدرات وإمكانات، ليست قادرة على حسم الخلاف لصالحها. وإن المطلوب في تلك اللحظة السياسية هو بناء تحالفات وتوازنات سياسية تمكن هذا البلد أو ذاك من التحول السياسي بأقل خسائر ممكنة.
ولعل الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقعت فيه بعض جماعات الإسلام السياسي الفاعلة في الربيع العربي، هو سعيها المحموم لحسم الصراع السياسي الموجود لصالحها، لكي تتمكن من إدارة البلاد بوحدها أو بمساعدة قوى سياسية غير وازنة وغير قادرة على عرقلة أية رؤية إستراتيجية لدى جماعات الإسلام السياسي.
وأبانت هذه الجماعات عن تعطش ولهفة عميقة لحسم الصراع لصالحها والقبض على السلطة.
ولم تلتفت هذه الجماعات إلى حقيقة أن ظاهرة الربيع العربي لم تحسم الصراع بين القوى القديمة والقوى الجديدة، وإن الذي تغير هو الجزء اليسير من القوى المسيطرة على الدولة. ووصول الإسلاميين إلى السلطة، لا يعني بأي حال من الأحوال هيمنتها على كل مفاصل السلطة العميقة أو مقدرات الدولة بأسرها. لهذا فإن الحقيقة التي إكتشفها الإسلاميون مؤخرا هي أن رئاسة الدولة ليست هي كل شيء في مصر. وإن الإخوان وصلوا إلى الرئاسة، إلا أن هذه الرئاسة لم تتمكن من القبض على كل مفاصل السلطة.
فأصبح الواقع السياسي كالتالي: سلطة جديدة لم تسيطر على كل مؤسسات الدولة وفي ذات الوقت لديها تعطش غير مسبوق للسيطرة والقبض على السلطة.
وقوى سياسية وعسكرية تنتمي إلى النخبة السياسية القديمة لا زالت متمسكة بمواقعها وقادرة بحكم طبيعة الجهاز البيروقراطي على عرقلة أي جهد سياسي تبذله رئاسة الجمهورية.
والسباق المحموم للسيطرة على السلطة هو الذي أوقع الإسلام السياسي في الصدام المباشر مع ما يسمى آنذاك الدولة العميقة في مصر. فكانت النتيجة أن القوى العميقة هي التي حسمت الصراع لصالحها.
ونحن نعتقد أن جذر هذا الخطأ يعود في تقديرنا إلى نهم الإسلام السياسي إلى السلطة، ولم تكن ترى في كل المعادلات والحقائق إلا حقيقة السلطة. فكانت النتيجة إن الذين سيطروا عليه في عام، تم طردهم منه في شهر في أحسن الفروض.
القدرة على بناء تحالفات سياسية عميقة
3ـ ضعف القدرة على بناء تحالفات سياسية عميقة وقادرة على الصمود في وجه التحديات والمكائد السياسية المختلفة.
لا يمكن لأي طرف مهما أوتي من قدرات وإمكانات ذاتية، أن ينشط في العمل السياسي بدون قدرة على بناء تحالفات سياسية عميقة.
ولعل من الأخطاء الكبرى التي وقعت فيها بعض جماعات الإسلام السياسي، هو عدم اهتمامها بموضوع التحالفات السياسية. أو إذا أرادوا أن يؤسسوا التحالفات سياسية يذهبوا للأطراف التي لا تمتلك بشكل كبير حيثية اجتماعية ووطنية، مما يجعل من جماعات الإسلام السياسي، حتى مع التحالفات السياسية هي صاحبة القول والقرار الأول.
ولعل لو تأملنا في طبيعة تجربة الإخوان في مصر بعد سقوط نظام مبارك، سنكتشف هذه الحقيقة. فالإخوان كانوا يروا أنفسهم أمام فرصة تاريخية لا تعوض للسيطرة على السلطة، وأنهم يمتلكوا كل القدرات التي تمكنهم من الفوز في الانتخابات والوصول إلى رئاسة الجمهورية دون التورط في تحالفات سياسية.
ولعل الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها هذه الجماعة هو عدم تفكيرها فيما تستطيع القوى الأخرى أن تفعله. صحيح أن بعض هذه القوى، لا تتمكن من الوقوف في وجه الإخوان بوحدها، ولكنها إذا تحالفت مع غيرها وفق المبررات التي تتغذى بشكل دائم من أخطاء وخطايا الإخوان في الممارسة السياسية، فإنها قادرة على عرقلة مسيرة الإخوان.. وهذا ما حققته بعض الجماعات السياسية الصغيرة، التي استحقرها الإخوان أو لم يتعاملوا معها بشكل صحيح.
أحسب في العمل السياسي، أن القوة السياسية التي لا تتمكن من بناء تحالفات سياسية مع غيرها، غير قادرة على حكم أي بلد، لأنها لا تمتلك قدرة على نسج علاقات سياسية إيجابية مع من يختلف معها في الأيدلوجيا أو بعض المواقف السياسية.
وعلى كل حال ستبقى هذه المعضلات مؤثرة. بشكل سلبي في التجربة السياسية لبعض جماعات الإسلام السياسي. إلا أنها ليست معضلات حتمية أو جبرية، وإنما هي بحاجة إلى رؤية جديدة للتعاطي مع الشأن السياسي، وإن هذه الرؤية تفسح المجال واسعا للقوى السياسية الأخرى للتفاعل والمساهمة السياسية من مواقع الشريك وليس التابع.
وما نود أن نقوله أن خروج بعض جماعات الإسلام السياسي من الحكم في بلدان الربيع العربي لم تكن بسبب هذه الأخطاء، وإنما هذه الأخطاء عجلت بالخروج وحولت بعض قوى المجتمع إلى موقع المتفرج على عملية الإخراج السياسي.
اضف تعليق