ليس من المستغرب ان يدخل تنظيم "داعش" على خط الازمة اليمنية، مستفيدا من الفوضى التي احدثتها الانقسامات الداخلية بين القوى اليمنية حول السلطة والشرعية وطريقة إدارة البلاد، إضافة الى التدخلات الخارجية التي عقدت هذا المشهد الداخلي، وكان اخرها العمليات العسكرية المباشرة بقيادة السعودية وتسع دول عربية أخرى متحالفة معها تحت مسمى "عاصفة الحزم".
وتنظيم "داعش" صاحب الخبرة في الاستفادة من الفوضى السياسية والأمنية التي تعصف ببلدان الشرق الأوسط بعد احداث الربيع العربي (حاله كبقية التنظيمات المتطرفة التي استفادت من هذه الفوضى)، ربما يرغب في تكرار السيناريو السوري والعراقي، خصوصا عندما ترتفع حدة الخلافات السياسية الى مستوى المواجهة المباشرة بمختلف الوسائل المتاحة بين الفرقاء، وترتبك الأوضاع الأمنية في بلد ما بفعل الاقتتال الداخلي او وجود حرب أهلية قد تقودها ميليشيات مسلحة طامحة بالسلطة، والتي غالبا ما تكون مدعومة من اطراف إقليمية او دولية خارجية.
في هذه اللحظة بالذات تجد تنظيم داعش يسارع الى البروز والاعلان عن نفسة من خلال تسخير الالة الإعلامية المحترفة التي يمتلكها، سيما وانها اثبتت نجاحها في تحقيق أهدافها السابقة، ليعلن عن وجودة الفعلي في قلب الحدث من خلال عدة مقاطع فديو لعمليات ذبح او تدريب او عمليات انتحارية، بعدها يتم مبايعة الخليفة "أبو بكر البغدادي"، وإعلان الولايات التي انضمت الى "ارض الخلافة" المزعومة، والتي اعلن عنها في وقت سابق، على لسان الناطق باسم التنظيم "أبو محمد العدناني"، ونشر لها خارطة الغت معظم الحدود الجغرافية الرسمية للدول الحالية، وطبعا كانت من ضمنها اليمن.
تنظيم داعش قام بمعظم الخطوات السابقة، فهو أعلن عن وجوده باليمن بصورة رسمية في شريط فيديو بثه في 25/ نيسان من العام الحالي، وهاجم فيه جماعة "أنصار الله" واسماهم "الروافض الحوثة" متوعدا إياهم بحرب قوية "لقد جئناكم بالذبح جئناكم برجال يتعطشون لشرب دمائكم، فبيننا وبينكم أيام يشيب منها الولدان، ولنسحبنكم لجهنم ألفا تلو ألف، ولنستعيدن أراضي أهل السنة التي احتللتموها"، كما بايع المسلحون خليفتهم "أبو بكر البغدادي" ليصبحوا من "جند الخلافة" ضمن "الدولة إسلامية"، وبعد خمس أيام تبنى التنظيم شريط فديو ثاني يعدم فيه 15 جنديا يمنيا (أربعة منهم تم نحرهم بالسكين والاخرين رميا بالرصاص) في اللواء الثاني مشاة، بعد ان اتهم في التسجيل بانهم من "جماعة الحوثي" الذين يعملون مع الجيش، وأوضح التسجيل ان العملية نفذت في محافظة شبوة جنوب شرق اليمن، والتي اعتبرها داعش ضمن ولايات الدولة إسلامية في اليمن واطلق عليها "ولاية شبوة".
ونفى تنظيم القاعدة أي علاقة له بالحادث، رغم انه نفذ اعدامات سابقة بجنود تابعين للجيش النظامي، كما ان التنظيم اعلن في وقت سابق بان اهم أولوياته في الوقت الراهن، هي مقاتلة الحوثيين ومنع تقدمهم للسيطرة على المزيد من الأراضي في اليمن، كما انه قام بالتوسع جنوبا وضم العديد من المناطق في حضرموت، التي تمثل ثلث مساحة اليمن، واطلق سراح العشرات من الموالين للقاعدة من سجن "المكلا" في عملية تزامنت مع عمليات "عاصفة الحزم" والقتال بين الحوثيين والموالين للرئيس "هادي" المدعوم من السعودية.
طبعا هذه الانطلاقة سبقتها العديد من المقدمات، وهي انطلاقة لم تكن عفوية او وليدة للصدفة، وانما الفوضى الأخيرة التي ولدتها الصراعات السياسية والعسكرية داخليا سرعت هذه الانطلاقة، واختصرت الزمن بالنسبة لتواجد تنظيم داعش على الأراضي اليمنية، وذكر مسؤول يمني رفض الكشف عن اسمه في يناير/كانون الثاني ان "تنظيم داعش بات موجودا في ثلاث محافظات بجنوب ووسط اليمن، وقد بدأت المنافسة تشتد بينه وبين الفرع المحلي لتنظيم القاعدة، وان التنافس بين التنظيمين وصل إلى حد المواجهة المسلحة في مناطق بشرقي البلاد الشهر المنصرم"، وأضاف المسؤول اليمني ان داعش تحاول "التفاوض مع المتشددين المحليين في اليمن مستخدمة إمكانياتها المالية التي تسمح لها بتمويل العمليات، بعكس القاعدة التي تبدلت اساليبها خلال الفترة الماضية وعادت لاعتماد أساليب ما قبل عام 2011، وذلك بتأسيس خلايا صغيرة وتنفيذ عمليات اغتيال محددة ضمن مسؤولين في جماعة الحوثي أو في صفوف الجيش اليمني".
اليمن بالنسبة لتنظيم داعش والقاعدة تكتسب أهمية دينية كبيرة (لوجود عدة أحاديث نبوية ذكرت اليمن وعلاقته ببيت المقدس)، إضافة الى الالاف المقاتلين اليمنيين المتواجدين فعلا في صفوف التنظيم، كما ان أهميته الجيوسياسية لا تخفى الى أحد، وعلى هذا الأساس فلا يستبعد ان يتعاون التنظيم مع بعض الحركات الإسلامية المحلية المتطرفة (ومنها تنظيم القاعدة)، والعشائر الخارجة عن سيطرة الدولة ليتمدد داخل اليمن ويوسع نفوذه، وقد يتقلب على الجميع لاحقا كما فعل ذلك في سوريا والعراق، ويبدو ان التنظيم بحاجة فعلية الى أراضي بديلة عن سوريا والعراق للتمدد نحو الخليج والمياه الدافئة، وهو امر مشابه لما يقوم به التنظيم في ليبيا حيث البوابة الرئيسية لشمال افريقيا واوربا، والبحث عن التوسع نحو الجنوب والشمال الافريقي جاء بعد الضغوط الكبيرة على التنظيم في العراق والنجاحات الكبيرة التي تحققت على يد قوات الحشد الشعبي والجيش النظامي، إضافة الى المنافسة الكبيرة بين التنظيم والفصائل الإسلامية الأخرى في سوريا، ومع ان العديد من الخبراء والباحثين قللوا من حجم تواجد تنظيم داعش في اليمن واعتبروا ذلك امر مبالغ فيه، قصد التنظيم الترويج له عبر مقاطع الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي، الا ان التساهل في قراءة الاحداث والتطورات الأخيرة يمكن ان يعطي نتائج غير صحيحة عن حقيقة هذا الحجم في اليمن، وقد يدرك الجميع تمدد التنظيم لكن بعد فوات الأوان.
اضف تعليق