q
سيناريو تخوم الحرب هو الأرجح، أي الوقوف عند بواباتها والإصبع على الزناد كما يقال، وجرّ الطرف الآخر ليصل إلى الحافة من خلال التهويل والتضليل، مع الاستمرار بالحرب الاقتصادية والنفسية والفكرية والإعلامية والدبلوماسية والقانونية التي من شأنها زيادة عزلة طهران، باستخدام جميع عناصر القوة الناعمة...

جاء تفجير ناقلتي نفط عملاقتين في بحر عُمان وتوجيه الاتهام لإيران من جانب واشنطن وحلفائها ليصب الزيت على النار ويزيد من التوتر الحاصل في المنطقة ويجعلها برمتها على حافة حرب ، فهل سيتكرر السيناريو العراقي ، أي استمرار الحصار لعدّة سنوات، ثم شن حرب شاملة أو محدودة لتغيير النظام أم ثمة خيارات أخرى قد تلجأ إليها واشنطن بحيث تدفع إيران إلى تخوم الحرب دون أن يعني إشعال حرب فعلية، ولكن بتحقيق أهدافها.

فعلى الرغم من امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، ورابع احتياطي عالمي من النفط الخام، إلّا أن تأثير الحصار الأمريكي على الاقتصاد الإيراني بدأ يفعل فعله، سواء بتدهور التومان " العملة الإيرانية" أم حالة الركود والانكماش التي يشهدها، الأمر الذي يعني أن طهران ستعاني من اختناقات أشد وطأة في الفترة القادمة، وقد بيّنت تجربة الحصار على العراق 1990-2003 مدى خطورة نظام العقوبات على النسيج الاجتماعي والنفسي وتضعضع الوحدة الوطنية. لكن طهران أعلنت رفضها التفاوض مع واشنطن ما لم تتخلّ هذه الأخيرة عن شروطها، ، فهل ستغامر واشنطن بشنّ الحرب بالرغم من معرفتها بتكاليفها الباهظة جداً ؟ أم أن هنالك خيارات أفضل من المجابهة المسلحة؟

ومع ذلك فإنها توحي بعزمها على خوض معركة "كسر عظم"، من خلال حشدها العسكري غير المسبوق في المنطقة منذ غزو العراق العام 2003? حيث استقدمت حاملة الطائرات " أبراهام لينكولن" التي وصلت إلى مضيق هرمز، مثلما وصلت مقاتلات B-52 و F-35 إلى قاعدة العديد في قطر، وأقدمت على سحب موظفيها غير الضروريين من العراق . هكذا تتلبّد سماء العلاقات الأمريكية - الإيرانية بالغيوم السوداء، بل زادت قتامة على ما عرف بـ "أزمة الرهائن" الأمريكان، الذين تم احتجازهم كرهائن لمدة 444 يوماً (من 4 نوفمبر/تشرين الثاني/ 1979 حتى 20 يناير/كانون الثاني/ 1981)؟

ولكن هل ستقدم واشنطن حقاً على الخيار العسكري؟ يصعب التكهّن بما سيحدث وأي الخيارات ستكون الراجحة؟ ولكن من يعرف الدبلوماسية الإيرانية بدهائها وقدرتها على التقدم والتراجع، يدرك أن إيران قد تضطر إلى تقديم تنازلات لتفادي شنّ الحرب عليها، مع أن عملية كسب الوقت لها سقف زمني، خصوصاً وأن طهران تعرف جيداً أن القوات الأمريكية رفعت من جاهزيتها وتأهّبها لمواجهة أي احتمال إيراني بتعريض "مصالح" واشنطن للخطر أو مصالح حلفائها في المنطقة، علماً بأن المنطقة التي تنشغل بها واشنطن وتضع إيران العين عليها، تعتبر أكبر خزّان نفطي استراتيجي.

ناهيك عن كونه يضم بحاراً وممرات بحرية هي : الخليج العربي وخليج عدن وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وبحر قزوين والبحر الأسود. وواشنطن لا تخفي أهدافها وفي المقدمة منها الدفاع عن المصالح الغربية و"حماية إسرائيل" ، وضمان إمدادات النفط، ومنع إيران من استكمال برامجها النووية والصاروخية التي تهدّد المنطقة، وكذلك الحيلولة دون نشر الفكر الراديكالي (الثوري) الذي تتبنّاه إيران. وإذا كان سيناريو الحرب أحد السيناريوهات المحتملة، فإن سيناريو تراجع إيران ومساومتها ممكناً في اللحظة الأخيرة، إذا ما شعرت أن واشنطن جادة في شنّ الحرب.

ولكن مثل هذه الحرب ستضع واشنطن هي الأخرى أمام احتمالات قد تكون قاسية، لاسيّما إذا امتدّت إلى بلدان أخرى أولها العراق الذي ترتبط معه بمعاهدة إطار استراتيجي. إن شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجسّد نموذجاً للاعب المغامر الواثق من نفسه الذي يتقمّص دور اللّامبالي بالنتائج مخترقاً الخطوط الحمراء لإرعاب خصمه وإجباره على الانصياع، خصوصاً بالتلويح بشبح الحرب الشاملة أو الجزئية، والذي يستهدف خلط الأوراق وإثارة زوبعة جديدة من "الفوضى الخلاقة"، على الرغم من أن هذا السيناريو قد يكون الأسوأ إذا امتدّ ليشمل بلدان المنطقة بما فيها دول الخليج، إضافة إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها.

ولذلك قد تتردّد واشنطن من شنّ حرب شاملة وتلجأ إلى الحرب الخاطفة "التكتيكية" بهدف إرباك النظام الإيراني وإضعافه وحلفائه، لتوجيه المسار السياسي لمفاوضات تكون فيها كفّة واشنطن هي الراجحة، لأن خيار الحرب الشاملة قد يؤدي إلى تصدّعات للنظام الإقليمي ولتوازنات القوى القائمة فيه، وقد شهدنا كيف كانت نتائج الحرب على العراق التي أيقظت غول الإرهاب وفتحت الأبواب أمامه لينتقل إلى عموم دول المنطقة، بل والعالم. ولهذا قد يكون سيناريو "تخوم الحرب" هو الأرجح، أي الوقوف عند بواباتها و"الإصبع على الزناد" كما يقال، وجرّ الطرف الآخر ليصل إلى الحافة من خلال التهويل والتضليل، مع الاستمرار بالحرب الاقتصادية والنفسية والفكرية والإعلامية والدبلوماسية والقانونية التي من شأنها زيادة عزلة طهران، باستخدام جميع عناصر القوة الناعمة، وستكون هذه أكثر إيلاماً وأشدّ تأثيراً، وستتبعها الضغوط السياسية والعسكرية، ولاسيّما الدولية، كيما تضطر إيران وهي الطرف الأضعف إلى تقديم تنازلات أكثر لتجنّب الحرب.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق