q
استراتيجية الإلهاء عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات. وعليه، فإن الهدف الأول من استراتيجية الإلهاء الأميركية هو الضغط على القيادة الفلسطينية لتقبل...

في مقابلة أجرتها محطة "إتش.بي.أو." التلفزيونية مع جاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأحد مصممي ما يعرف بـ "صفقة القرن"، بتاريخ 3 حزيران/يونيو 2019، قال كوشنر: "أن تخلص الفلسطينيين من الاحتلال طموح عال وغير متأكد من قدرتهم على حكم أنفسهم". وفي ضوء هذا التصريح يبدو أن كوشنير يحاول إعادة تصنيع الاستشراق ويروج لفكرة مفادها أن الهوية الإسرائيلية والأميركية متفوقة على الشعوب والثقافات الأخرى وتحديداً العربية والفلسطينية.

وفي نفس السياق هاجم جيسون جرينبلات مبعوث ترامب في الشرق الأوسط وأحد صناع "صفقة القرن" هجوماً على السلطة الفلسطينية؛ متهماً إياها بالفساد، وبأنها السبب في واقعها الذي تعيشه اليوم. تصريح آخر يصب في نفس البوتقة، وكما تعامل المستشرقون مع الشرق، تتعامل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الفلسطينيين، فتقوم بوصفهم، وتقدم التقارير حولهم بطريقة توحي بأنهم بحاجة لمن يحكمهم، حيث أن الاستشراق الأميركي الجديد يهدف للسيطرة على فلسطين والمنطقة برمتها، واستبنائها، وامتلاك السيادة عليها.

بالتزامن مع التصريحات الأميركية الإستشراقية، وتحديداً تصريحات جرينبلات، بدأت أجهزة المخابرات المعادية بنشر قضايا الفساد في المؤسسات الرسمية الفلسطينية المختلفة، فما دلالات توقيت هذا العمل وما الغاية التي تنوي إدارة ترامب تحقيقها؟.

يرى نعوم تشومسكي أن استراتيجية الإلهاء عنصر أساسي في التحكم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل الهامة والتغييرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية، ويتم ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات. وعليه، فإن الهدف الأول من استراتيجية الإلهاء الأميركية هو الضغط على القيادة الفلسطينية لتقبل "صفقة القرن"، والهدف الثاني إلهاء الجمهور بقضايا ثانوية ؛ وهي قضايا حساسة عن القضية الأخطر المتمثلة بـ "صفقة القرن"، الأمر الذي يستدعي من الفلسطينيين بكافة تمثلاتهم ترتيب أولوياتهم لإسقاط "صفقة القرن" أولاً، ومن ثم العودة لمعالجة القضايا الداخلية الحساسة.

تحاول الإدارة الأميركية توجيه ضربة في عمق شرعية القيادة الفلسطينية، لتتمكن من تمرير أجنداتها ومشاريعها التي تُمثلها "صفقة القرن". ومن الضروري التنويه هنا إلى أن مؤسسات المجتمع المدني، وقوى "المعارضة" الفلسطينية يقع على عاتقها مسؤولية وطنية كبيرة، فيما يخص ترتيب الأولويات الفلسطينية، وعدم الانجرار إلى المربع الذي تتوق الإدارة الأميركية والاحتلال الإسرائيلي إلى أن يدخله الكل الفلسطيني. حيث أن تصليب الجبهة الداخلية ومؤازرة القيادة الفلسطينية هما الخياران الوحيدان لتفنيد أوهام العدو، ومسألة فشل هذا العدو في تمرير صفقته مرهونة بمدى تغليب التناقض الرئيسي على أي خلاف ثانوي.

* كاتب وباحث فلسطيني
[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق