إنها الخطابات الهوجاء هي التي تفتعل الحروب وتثيرها وتوقد مجرياتها وتنسف الشعوب بتخبطاتها وفواجع اثارها، وإن لغة العالم المتطرفة والمتعصبة تفعل ذات الشيء للحصول دوما وحتما على دفعة وطنية ليتم بناء العالم الحديث الأهوج وفقا لنماذج التطرف الكاذب، وكما وتفعل وتنشط نماذج مختلفة من الصراعات...
إنها الخطابات الهوجاء هي التي تفتعل الحروب وتثيرها وتوقد مجرياتها وتنسف الشعوب بتخبطاتها وفواجع اثارها، وإن لغة العالم المتطرفة والمتعصبة تفعل ذات الشيء للحصول دوما وحتما على دفعة وطنية ليتم بناء العالم الحديث الأهوج وفقا لنماذج التطرف الكاذب، وكما وتفعل وتنشط نماذج مختلفة من الصراعات بشكل حروب في الفضاء المادي غير ان لابد إن تسبقها حروب المعلومات أو حروب المساحات الاستخبارية والافتراضية، ولتبرير أفعالها تبني الدول أعداءها إذ وبوجود العدو فالنجاح اكيد بصنع عدالة وهمية اعلامية للحرب فالحروب المزيفة عدلا هي أفضل الخرافات للتعبئة وللقتال وللنصر وهذا الأمر مطبق ومقر به من قبل الجميع.
وحين نتابع قنواتنا الفضائية ففيها سنجد الاستبداد الإعلامي مطرزا شاشاتها وفارزا الانشقاق، وعند مناقشة قوانين الحرب دوما ما تكون المعارضة هي أول من تعطي الكلمة وبعد ذلك سيحطم المدافعين عن مشروعية القانون تلك المعارضة ويخونونها، وهذا مثال واحد على الكيفية التي يمكن إن يتم بها ضرب المعارضة عبر منعها حق قول الكلمة وفي كثير من الأحيان يتم مطاردتها بلا هوادة وكأنها هي العدو الخارجي ليتم إنشاء أيقونات ومنظر سلبي عن ممثليها، ونعتقد أن وقع كلمات برامج التواصل الاجتماعي والكلمات التلفزيونية أكثر تأثيرا من وقع كلمات الاستاذ والجار والصديق لذلك فإن مثل تلك الانتقادات دوما ما ستسقط خطاب السلام. ولقد تم حاليا نقل الطابع الإعلامي للحضارة الحديثة تلقائياً إلى الحروب لتهضم شبابنا وأصبح الإعلام جزءا أساسيا منها، وحتى على مستوى كلمة واحدة فقد تم برمجة وتنشيط افعال الإثارات والعنصريات والنزاعات، وذلك ليضفي الشرعية الفورية على التصريحات اللاحقة والأفعال المصطنعة والتمثيليات الهزيلة، ليتم عبرها نسب خطاب التصعيد في الحروب إلى العدو بينما يحيط الجانب المهاجم نفسه وأفعاله بمبادئ خطاب المهدور المجني عليه.
ألان في العالم اليوم سادت إخبار برامج التواصل والأخبار التلفزيونية وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يستهلكونها وزادت الأسئلة التي يتسببون بها تمكنوا من الابتعاد عن الشاشة لكن يكاد يكون من المستحيل ابتعادهم لأنهم لا يسألون ولا يناقشون ويصدقون كل شيء من دون بذل اية جهود فكرية حتى لو كانت بسيطة!!! وان العنصر الإعلامي للحروب الجديدة ضخم والعلاقات العامة لا تقل أهمية إذا ما تم القيام بعمليات قتالية في حرب عادية من أجل تحقيق النصر الاعلامي، لأنه فيها عادة ما يكون الهدف الرئيسي لعملياتها وبلا مفاجأة يكمن في العلاقات العامة وتأطيرها وتوسيعها، وعلاوة على ذلك فأن ذلك العنصر الإعلامي سيؤدي الدور المرتجى منه لأنه من المهم جدا وجدا الوقوف والظهور ك "ضحية" في الحروب بدلاً من الظهور ك "معتدي ومتسلط" ، وحينما تقوم وبمساعدة مؤسسات العلاقات العامة بتضخيم عدد وحجم ومقادير ضحاياك ولو كذبا فسيكون ذلك التكتيك مميزا تمامًا وناجحا تماما ومتوحشا تماما !! إذ لم تعد بحاجة لقتل جنود العدو بل يكفيك أن تقتل شعبك وتزوّد الإعلام الداخلي والخارجي بتلك المآسي بعد إن ترفقها بالدعم الضروري للعلاقات العامة لألصاق جرائمك بوجه عدوك وهذه طامة شعوبنا.
فاجعة انعكاس للعالم والتي هي أبعد ما تكون وأكثر ابتعادا عن الواقع باتجاه شمال الفضيلة!! وعبرها تم توجيه مساحات المعلومات أكثر وأكثر لتعكس دموية القيمة ولهذا نرى ما نريد رؤيته فينا وليس ما نحن عليه حقًا !! ومثال حي على هيمنة فكرة الفضائل الغائبة على الواقع تترجم فعليا عبر الأحلام الشخصية والتي بمجملها تكون مزيفة!! وتتشابه تلك الصفات السرابية الحقيقة التي تعانيها الشعوب من أحلامها اثر تصديقها اكاذيب واساطير وعود المرشحين للمناصب الرئاسية!! وحاليا يمر عالمنا بفراغ المعلومات وبدأت كمية كبيرة من المعلومات في الانتشار وبذات الوقت فأن اغلب الأشخاص غير قادرين ببساطة على تقييمها للتأكد من صحتها او حتى جدوتها، لذلك لربما سيكون رد الفعل النموذجي هو الرفض الكامل للوقائع التمثيلية وللمطالبات بأيقاد الحروب، فينتج ذلك الرفض ظواهر عدة قد تأتي بمقدمتها الرقابة عبر اثارة الضوضاء الشعبية عن طريق توليد معلومات فوضوية!! لذلك نؤكد إنه دوما ما هناك رقابة واعية تعمل عبر الضوضاء التلفزيونية من خلال الإنتاج المستمر للفضائح السياسية لتوفر المعلومات وتكدسها وتدمجها في الضوضاء الشعبية المصطنعة، وبالإضافة إلى الرقابة القياسية التي تهدف في الأصل إلى تقليل عدد النصوص الرافضة فهناك أيضا رقابة تعمل على النظام العكسي هادفة إلى زيادة عدد النصوص المتداولة والمتضاربة المقاصد والافكار وصولا إلى افقاد الدماغ البشري القدرة والقابلية الكبيرة على ادراك واستيعاب وتصفية تلك الأحجام المعلوماتية أو مقارنتها!! اذ وفي كل مرة يؤمن بها ثم يرى او يسمع نصًا آخر حتى لو كان نصًا في الاتجاه المعاكس فسيقلب له ايمانه الخبري ولذلك كله اضحت الدول الحديثة تعمل بدقة في اشاعة انظمة الرقابة بالفوضى والفوضوية والضجيج !!!
لدينا زيادة حادة في تدفق الأخبار بسبب ثالوث الآلات التوليدية الأخبارية وهي كلا من التلفزيون وبرامج التواصل الاجتماعي والصحف الورقية والرقمية ليتم عبرها فقدان المعلومات الهامة، وإن السبب الحقيقي لظهورها قد تكون تبريرا للكسب السوق الاعلامية عبر المتاجرة بعقول الناس وقناعاتهم وسلامهم، اضافة إلى عوامل التحكم في الجمهور فضلاً عن وجود فرص كبيرة للتأثيرات الخفية المتأصلة فيه .وهكذا ومن أجل إنتاج واقع جديد لم يدرك الجميع أن هناك مثل تلك المهنة التي لا توجد تهم حولها بتحويلها لموضوع الأعلام إلى دعاية لأن إنتاج الواقع ليس دعاية بأي شكل من الأشكال لأنه عندما ينشأ كهذا واقع فإنه نتيجة لجهود من صنعه ليتطابق تمامًا مع الأوصاف التي أراده!! فلذا يثار السؤال الاصعب هنا، أينها الدعاية اذن؟ غير انه ومن حيث المبدأ فأن تلك الكلمات نفسها ترددها السينما وبشكل غريب وبأكثر من الكفاية، لكن الفرق الحقيقي يتمحور في الاسلوب والطريقة بطرق واساليب تحميل تلك التجارب الدعائية للعقول وتلويث القناعات، ولذا تراجعت الكلمات والحجج وتغير مكانها لتستقر في الركن الخلفي من العالم الذي اضحى صورة مقيتة لا ينتج ولا يعطي معاناً كما يفترض إن يكون به. وبفضل ذلك الحقل الافتراضي الكاذب والشائع يتبنى السياسيين بسهولة تجربة عرض أعمالهم الفارغة المحتوى فهم يحتاجون في النهاية إلى إبقاء شد انتباه الجمهور وسهولة التواصل معه واختيار الروابط والإيماءات التي توثق تقييده وتعبئته خلفهم، ونتيجة لذلك نحن نتحدث اليوم عن الكليشيهات الجاهزة والمكررة والمقيتة بشكل استثنائي، وببساطة فهذا أيضًا هو جزء من التحول في عالمنا الذي بدت الحروب تبدو فيه آمنة عبر نشرها ودمجها بعقول الناس بواسطة ألعاب الفيديو والأفلام ولدرجة إن الأجيال الجديدة توقف الادراك والفهم لديها من أن الموت لا يمكن تغييره بالضغط على زر "الريباك"، زر تكرار العاب الكمبيوترات، فمتى تكف التفاهات والحروب عن هدر الكلمات وهذر ونذر عقول وارواح شبابنا !.
اضف تعليق