ثمة ورقتان أساسيتان، تلجأ إليهما الرياض كلما أحست بالاستهداف، وكلما شعرت أن منظومتها الأمنية باتت عرضة للاهتزام الأولى وتتمثل في مكة المكرمة والحرمين الشريفين. والثانية؛ وتتجلى في النفط وأمن الطاقة. الأولى، بوصفها أداة لحشد تأييد العالمين العربي والإسلامي والثانية، بوصفها أداة لكسب تأييد المجتمع الدولي...

بمعايير المعارك الكبرى والحروب الحقيقية، تبدو صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة، ضربا من "الألعاب النارية" لا أكثر، فما من قرية أو بلدة في سوريا والعراق، إلا وضُربت بما هو أقسى منها وأشد... وما من مدينة أو قرية يمنية، إلا وتعرضت لوابل من القذائف والصواريخ أكثر عددا وأشد تدميرا من صواريخ الحوثي وطائراته المسيّرة.

لكن "هشاشة" المنظومة الأمنية السعودية، و"ضعف جهاز المناعة المجتمعية" في مواجهة تحديات الحروب وتداعيات المعارك، جعل من الضربات الصاروخية و"الجوية" الحوثية لأهداف في العمق السعودي، قضية "تهديد استراتيجي" كبرى، استدعت وتستدعي، حشد القادة الخليجيين والعرب والمسلمين، في قمم طارئة متعاقبة في مكة المكرمة، وخلال شهر رمضان المبارك

الدائرة الخليجية الأقرب للرياض، لا تبدو على قلب رجل واحد

مع أن السعودية، من ضمن حفنة قليلة من الدول في العالم، تتوفر على أحدث ما أنتجته تكنولوجيا السلاح من كافة الدول الرئيسة المنتجة والمصدرة له.. وميزانيات التسلح السعودي تبدو فلكية بامتياز، وتحتل المكانة الأولى عالميا في لائحة المشتريات العسكرية.. ثم، أن السعودية تكاد تكون "قارة" بذاتها، بالمعنى الجغرافي، وتتوفر على عدد من السكان، لا يقل عن اليمن برمته، وليس الشطر الشمالي منه فحسب... أما عن المقدرات المالية والاقتصادية، فحدّث ولا حرج؛ فهل كان دونالد ترامب مخطئا حين قال إن هذه الممالك لن تصمد أسبوعين في مواجهة العاديات، إن رفعت واشنطن غطاء الحماية عنها؟

في السنة الخامسة للحرب على اليمن، تظهر السعودية والتحالف الذي تقوده، عجزا واضحا في تحقيق أي أهداف "عاصفة الحزم" ومراميها.. ويوما بعد آخر، يثبت بالملموس، أنها لم تكن "عاصفة" ولم تتسم بـ"الحزم" المطلوب.. بل أن معطيات السنة الجديدة، تظهر الحوثيين في مكانة "الند" القادر على مقارعة الرياض وتحالفها، بل وتهديدها على أطراف الحدود وفي عمقها، بل وتظهر منشأتها الاستراتيجية، مكشوفة أمام طائرات بدائية، يصعب تصنيفها كـ"سلاح الجو".

من تابع ردود الأفعال السعودية على الضربات المحدودة التي تعرضت لها منشآت تابعة لعملاق النفط السعودي "آرامكو" في نجران، وحادثة السفن الأربع في ميناء الفجيرة، يدرك تمام الإدراك حجم "الهشاشة" التي تتسم بها المنظمة الأمنية السعودية بخاصة، والخليجية بعامة، ويخلص إلى نتيجة مفادها، أن ترليونات الدولارات التي أنفقت على السلاح والتسلح في العقود الماضية، لم تغرس مشاعر الثقة والطمأنينة، في أوساط صناع القرار والرأي العام في هذه الدول سواء بسوء، ويصل إلى خلاصة مفادها: أنه من دون الوجود العسكري الأميركي ـ الأطلسي المباشر على أراضي هذه الدول، وفي مياهها وأجوائها، يصعب خلق الشعور بالاطمئنان وتكريسه.

مكة والنفط

ثمة ورقتان أساسيتان، تلجأ إليهما الرياض كلما أحست بالاستهداف، وكلما شعرت أن منظومتها الأمنية باتت عرضة للاهتزام.. الأولى؛ وتتمثل في مكة المكرمة والحرمين الشريفين. والثانية؛ وتتجلى في النفط وأمن الطاقة. الأولى، بوصفها أداة لحشد تأييد العالمين العربي والإسلامي.. والثانية، بوصفها أداة لكسب تأييد المجتمع الدولي الذي ما زال يرى في النفط وتأمين طرق إمداداته، قضية أمن دولي بامتياز، لا تقبل أي مظهر من مظاهر الضعف والتردد في التعاطي معها.

ما إن ينطلق صاروخ حوثي في إي اتجاه في المملكة، حتى ينبري الاعلام الحكومي السعودي للقول بأن إيران تستهدف مكة المكرمة وأمن الحجيج وزوار الحرمين الشريفين.. وما إن تقترب طائرة مسيّرة، من أنبوب أو منشأة نفطة، حتى تبادر الآلة الإعلامية ذاته، للتحذير من الخطر الذي يتهدد النفط.. وقبل أن تتضح رسميا، نتائج التحقيقات في حادثة السفن الأربع في ميناء الفجيرة، كانت الطبول تقرع بقوة محذرة من تعرض طرق إمداد النفط والطاقة للخطر الشديد... وأحسب أن هذا "التكتيك" السياسي/ الإعلامي، قد أثمر وكانت له مفاعيل إيجابية، في كثير من الأحيان، وليس في جميعها.

ستنجح السعودية في كسب تأييد دول خليجية وعربية وإسلامية في القمم الثلاث المقبلة، وسيكون هناك تضامن خليجي ـ عربي ـ إسلامي مع الرياض في مواجهة التهديدات الإيرانية، المباشرة أو بـ"الوكالة" من خلال الجماعة الحوثية.. لكن دولا عديدة ستشارك بـ"تثاقل" في القمم القادمة، ولن يتعدى دعمها للمملكة، الحدود اللفظية والخطابية.. فمعظم هذه الدول، لم ير عند بدء الحرب السعودية على اليمن، خطرا يهدد أمن المملكة واستقرارها، أو تهديدا يمكن أن يمس أمن الأماكن المقدسة وقوافل الحجيج. لذلك، ظلت مشاركتها في الحرب، لفظية ورمزية، وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الأمر سيكون مختلفا هذه المرة، بل إن حماسة كثرة من الدول العربية والإسلامية، لحرب خليجية رابعة، تبدو في أدنى مستوياتها، كما أن حماستها لاستمرار "الحرب المنسية" على اليمن، تقترب من درجة الصفر، لا سيما بعد تفاقم المعاناة الإنسانية للشعب اليمني المسلم، وغياب أي أفق لحسم الأزمة اليمنية عسكريا.

حتى أن الدائرة الخليجية الأقرب للرياض، لا تبدو على قلب رجل واحد، فقطر تغرد خارج سرب الخليج، وعمان والكويت تعرضان وساطة لحل الأزمة في اليمن وخفض حدة التوتر بين واشنطن وطهران.. أما الإمارات العربية المتحدة، شريك السعودية في الحرب على اليمن، فهي لم تتردد في الكشف عن "أجندة يمنية" خاصة بها في اليمن، لا تلتقي بالضرورة، وأحيانا تتصادم مع "الأجندة" السعودية.. وثمة ما يشير إلى أن أبوظبي، أقل حماسة من الرياض في "التجييش" ضد إيران، وتخشى أكثر منها، من مخاطر اندلاع حرب أميركية ـ إيرانية في الخليج، تكون دوله ساحة من ساحتها، وأهدافا لنيرانها.

خلاصة القول: إن الدور القيادي للسعودية في العالمين العربي والإسلامي الذي اكتسبته خلال العقود الفائتة، إنما يأتى عن اعتمادها على "القوة الناعمة"، وسلاحي النفط وعائدته، ومكة وحجيجها... أما حين قررت المملكة في عهد الملك سلمان وولي عهده المثير للمشاكل والمتاعب، الشغوف بالمغامرات، اعتماد "القوة الخشنة" لتحقيق أهداف سياساتها الخارجية، وإدامة دورها الإقليمي وتوسيعه، فقد بدا أنها مكشوفة تماما، وأنها تعاني "هشاشة أمنية متراكمة وبنيوية"، الأمر الذي يضعها أمام مفترق طرق استراتيجي، يملي عليها حسم وجهتها في أقرب الآجال، فإما إعادة ترميم هذا الدور واستعادته بالدبلوماسية والتسويات التفاوضية وبقية عناصر "القوة الناعمة"، أو أنها ستواجه مكشوفة، كلف مغامراتها وخياراتها "الخشنة"، بما فيها الكلف الباهظة للحماية الدولية وما يترتب عليها من نزيف هائل يكاد يبتلع ثروات البلاد المتراكمة، بل وثروات الأجيال القادمة كذلك.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق