يعاني من مشكلة سياسية، مثل كثير من دول العالم، من المتوقع مساعدتها على حل هذه المشكلة من خلال ضخ التجارب الديمقراطية المناسبة لما يفيدها في صياغة نظام حكم يطوي صفحة الاحتكار السياسي والاستئثار بالسلطة والثروة.
بيد أن الذي حصل أن البحرين، وفي ظل استمرار حركة الرفض الجماهيري لنظام الحكم القبلي والديكتاتوري، وسقوط الشهداء في الشوارع وفي أقبية السجون، واستمرار الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان، دخول بلد مثل بريطانيا على الخط، وتوقيع اتفاقية عسكرية مع النظام الحاكم في المنامة على إنشاء قاعدة بحرية واسعة المهام والادوار.
الاتفاقية العسكرية الجديدة لم يوقعها وزراء دفاع، إنما وزيري الخارجية، وهي بحد ذاتها ذات دلالة خاصة، ثم إنها جاءت على هامش منتدى "حوار المنامة" الذي تنظمه الحكومة سنوياً وتستضيف فيه شخصيات دولية في السياسة والاقتصاد لبحث الشأن الأمني في المنطقة.
المراقبون يقرأون رسائل عديدة في هذه الاتفاقية، أهمها:
رسالة الى الداخل
موافقة حكومة المنامة على تحمّل تكاليف هذا التواجد الجديد البالغ 23 مليون دولار، وبنسبة (80%) والترحيب الكبير، يكشف اكثر من أي وقت آخر الحاجة الى التغطية الدولية وتحديداً البريطانية والامريكية لسياسة القمع والتنكيل المتبعة ضد المعارضين وعموم الشارع المنتفض.
صحيفة "إنديبندنت" البريطانية كشفت في تقرير لها أن إنشاء القاعدة العسكرية هو مكافأة للحكومة البريطانية لقاء صمتها على أعمال التعذيب والاعتداءات والاعتقالات التعسفية. وزادت الصحيفة أن الولايات المتحدة وبريطانيا دعمتا النظام الخليفي في قمعه حركة الاحتجاجات الشعبية بالوسائل العنيفة.
هذه الرسالة الشديد اللهجة من بريطانيا الى الداخل البحريني، تعبر عن عدم ارتياح من إصرار المعارضة وصمود وتحدي قادتها بوجه السياسات التعسفية للنظام، بل يذهب المراقبون الى اكثر من هذا، عندما يرون أن لندن لم تر حاجة لأن تخفي نواياها وحقيقة سياستها اتجاه البحرين والمنطقة، عندما كانت تمالي سياسة التمييز الطائفي في هذا البلد وكذلك في السعودية، سعياً منها للإبقاء على نهجها العتيد والقديم في المنطقة (الإبقاء على الوضع القائم)، وهي السياسة الاستعمارية المحافظة والتقليدية التي أطلت برأسها بقوة هذه المرة من خلال هذه الاتفاقية.
ولا يستبعد المراقبون الربط بين توقيت الاتفاقية مع النتائج الهزيلة للانتخابات الاخيرة التي سعى لانجاحها النظام، في مقابل النجاح الملحوظ للاستفتاء الشعبي الذي اجرته المعارضة بحق تقرير المصير، وكانت نسبة المشاركة اكثر بكثير من الانتخابات، وقد ذكرت مصادر خاصة في البحرين، أن هذا الاستفتاء مثل تحدٍ كبير ورهيب للنظام ومن يقف خلفه، لأنه جرى في ظروف غاية في الخطورة والحساسية، وكانت نسبة المشاركة حوالي 70 بالمئة، مما يعني وقوف النظام عاجزاً امام تقدم المعارضة سياسياً في الداخل وانتشاره على الصعيد الجماهيري، في خطوة ربما يكتسب الشرعية الدولية في المستقبل، لذا فان المنامة بحاجة الى درع فولاذي تفتده لتحصن نفسها من تحركات المعارضة والجماهير نحو تحقيق مطالبها في الحرية والمساواة في الحقوق وتقرير المصير.
رسالة الى المحيط الاقليمي
الاتفاقية العسكرية وعودة نشاط البحرية الملكية البريطانية الى هذه الجزيرة (المستعمرة القديمة) جاء متناغماً مع ترديد عبارات الخوف والهلع من اركان النظام الخليفي مما يصفونه "التحديات الامنية" في اشارة واضحة الى ايران، وفي كلمة له امام المنتدى قال وزير الخارجية البحريني، ان المشكلة مع ايران لا تنحصر في المخاوف النووية، إنما من استمرار تدخلاتها في الشأن الداخلي البحريني.
ثم لاننسى الهزائم التي لحقت بالجماعات التكفيرية والارهابية في العراق وسوريا وتراجع سطوتها يمثل انتصاراً لايران بالدرجة الاولى قبل ان غيرها، لان الهزيمة في الميدان، يمثل هزيمة وخسارة فادحة لمن يقف خلف هذه الجماعات بالتمويل والتسديد المعنوي والأهم التغطية السياسية والاعلامية. علماً ان اوساط اعلامية في بريطانيا شككت في الفائدة العسكرية لهذه القواعد في مسار العمليات العسكرية الجارية ضد تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، مما يثير التساؤلات اكثر عن اسباب ودوافع هذه العودة الاستعمارية من جديد.
رسالة الى العالم
مما جاء في كلمة وزير الخارجية البريطاني في منتدى "حوار المنامة" مخاطباً حكام البحرين؛ "أمنكم هو أمننا"، وهذه رسالة واضحة وصريحة للجميع بأن بريطانيا لن تكون بعيدة هذه المرة عما يجري في المنطقة، ولن تخلي مكانها للأبد للولايات المتحدة التي غرقت في الازمات والحروب وتاهت في دهاليز العلاقات المشبوهة مع الجماعات الارهابية والتكفيرية في المنطقة، مما يضطرها لأن تفسح المجال امام حليفها العتيد لأن يقيم توازناً عسكرياً يخرجها من ثقل المسؤولية الامنية الكاملة – كما يعبر عنها الساسة الاميركان- في المنطقة، فتحسين المنشآت العسكرية في "ميناء سلمان"، ورسو السفن الحربية البريطانية بشكل اكثر وعلى مدى فترات طويلة وغيرها من الاجراءات التي تضمنتها الاتفاقية، لن تغير من وضع مقر قيادة الاسطول الخامس لاميركا في البحرين. بيد أن التغطية العسكرية والامنية، لاسيما بالنسبة لدولة البحرين، سينتقل الى الحليف البريطاني.
ثم لاننسى التحركات الامريكية هنا وهناك للإسهام في حلحلة الازمة السياسية في البحرين بشكل عام ودفع الاحداث باتجاه حل سياسي – تفاوضي مع احد اطراف العائلة الحاكمة، ربما يكون مع ولي عهد البحرين وابن الملك "سلمان" بتلبية بعض مطالب المعارضة وامتصاص الغضب الجماهيري ثم سحب الشرعية كاملة من أي انتفاضة ثورة تتجه الى قلب النظام والتغيير الحقيقي والشامل.
فحتى هذا المسعى السياسي الترقيعي، لم تقبل به السياسة الاستعمارية البريطانية العتيدة، إنما تريد العودة والبقاء بأقوى سبق، من خلال تقوية رجلها العتيق في السلطة، رئيس الوزراء "خليفة بن سلمان" الذي يقف على قمة الزعماء المعمرين العرب في السلطة، فقد أمضى حوالي اربعين عاماً وهو رئيس حكومة في هذا البلد. ولا يتوقع ان تجد بريطانيا نظيراً له بسهولة.
اضف تعليق