يبدو بأن المواجهة السياسية والإعلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران خلال تولي الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إدارة الأمور في البيت الأبيض، قد تحولت إلى تصعيد حقيقي تجاوزت عملية التراشق والتصريحات الإعلامية على المنصات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي. فقد زادت حدة التوتر خلال الأيام القليلة...
يبدو بأن المواجهة السياسية والإعلامية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران خلال تولي الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إدارة الأمور في البيت الأبيض، قد تحولت إلى تصعيد حقيقي تجاوزت عملية التراشق والتصريحات الإعلامية على المنصات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
فقد زادت حدة التوتر خلال الأيام القليلة الماضية بين كل من طهران وواشنطن بعد أن قررت إدارة ترامب فرض عقوبات جديدة على إيران، وما تلا هذا القرار من إرسال الولايات المتحدة حاملة طائرات وقاذفات من طراز (بي 52) إلى الشرق الأوسط للتصدّي لمخاطر هجمات إيرانية قالت إنها "وشيكة"، كما قررت واشنطن إرسال صواريخ باتريوت إضافية إلى المنطقة.
بموازاة ذلك، أعلنت إيران عزمها تعطيل بعض بنود الاتفاق النووي والعودة لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% إذا لم تحمها الأطراف الدولية من تداعيات العقوبات الأمريكية. وعلى الرغم من أن هذا التصعيد غير مسبوق في تاريخ البلدين ويوشك بحرب عالمية ثالثة، تكون نتائجها وخيمة جداً وتداعياتها كبيرة على منطقة الشرق الأوسط، إلا أن هناك من يراوده الشك في هذا التصعيد طبقاً للفرضيتين أدناه:
الفرضية الأولى: ترى بأن مسار الصراع السياسي بين إيران وواشنطن في منطقة الشرق الأوسط، لا بد أن ينتهي بنتيجة، بغض النظر عن وسائل تحقيق تلك النتيجة سواء كانت وسائل سياسية أم عسكرية أم دبلوماسية. وإن التحركات العسكرية والسياسية الأمريكية في المنطقة، تؤشر على شيء ما قد يحصل في الأيام القادمة، وأن طبول الحرب تقرع في المنطقة، فالرسالة الأمريكية التي بعثتها واشنطن إلى طهران، كانت واضحة جداً، بأن أي احتكاك غير مباشر يمس مصالحها أو مصالح حلفائها في المنطقة سيكون الرد قاسي جداً، بغض النظر عن مصدر الاحتكاك سواء كان عن طريق وكلاء إيران في المنطقة أو من خلال القوات الإيرانية الرسمية.
فللمرة الأولى منذ 40 عام تغادر الولايات المتحدة (المنطقة الرمادية) في صراعها مع إيران، لتتحول إلى منطقة مكشوفة الفعل مع إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب؛ وهذا ربما يرتبط بعقلية الرئيس وفريقه في البيت الأبيض، أو يرتبط بأمور أخرى تكمن في عقلية الإدارة السياسية في البلدين.
وفقاً لهذه الفرضية، فإن السؤال المهم الذي يسيطر على العقل العالمي حتى الآن، هل ستحدث المواجهة العسكرية بين الطرفين؟. بالتأكيد، إن مفاتيح الإجابة على هذا السؤال بشكل فعلي ومشخص، تمتلكها الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، أما إجابتنا النظرية، فهي تعتمد على مجموعة معطيات يمكن أن نستنتجها من خلال موقف الطرفين من التصعيد الحالي.
على الرغم من التحضير الكبير الذي تبديه الولايات المتحدة من تحضيرات عسكرية وحربية في مياه الخليج تحسباً للتحركات الإيرانية في المنطقة ضد مصالحها، إلا أن هذه التحركات لا يمكن أن تؤشر على النية الحقيقية للولايات المتحدة على الدخول في الحرب ضد إيران، لاسيما وأن واشنطن غير راغبة الدخول في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة ومع تواجد تنظيم إرهابي شرس مثل تنظيم داعش الإرهابي ينتظر الفرصة للسيطرة على بعض المناطق التي يعدها إستراتيجية في قاموسه السياسي والإيديولوجي.
فضلاً عن ذلك، فهناك من يعتقد، بأن التحركات الأمريكية والتحشيد العسكري الحالي ضد إيران، الغرض منه جر طهران إلى طاولة المفاوضات تحت طائلة التهديد باستخدام القوة، أي بمعنى جرها بالإكراه إلى المفاوضات، من أجل إعادة التفاوض في برنامجها النووي والصاروخي ودورها الإقليمي.
في الطرف الآخر، تبدو طهران هي أيضا غير جادة بالدخول في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما في ظل العقوبات الواسعة التي طالت مختلف قطاعاتها الاقتصادية، والحالة الاقتصادية التي يعيشها المواطن الإيراني من حيث غلاء المعيشة، والهبوط الكبير الذي تعانيه العملة الإيرانية مقابل الدولار الأمريكي.
وعلى ما يبدو، أن طهران حذرة جداً في تحركاتها الحالية سواء المباشرة من خلال تأثيرها على أمن الملاحة في مضيق هرمز؛ لأن الرد الأمريكي سيكون ساحقاً، أو غير مباشر من خلال تحركات وكلائها ضد المصالح الأمريكية في المنطقة سواء في العراق أو اليمن أو في البلدان العربية الأخرى.
وهنا، ربما تتبنى طهران، سيناريو الرجوع إلى المجتمع الدولي، لتتبنى خيار التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما مع الحالة الصفرية التي وصلت لها المنتجات النفطية الإيرانية بعد انصياع حتى الدول التي تعتمد على النفط الإيراني مثل (الهند والصين) للعقوبات الأمريكية.
الفرضية الثانية: وهي الفرضية التاريخية التي حكمت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، لاسيما بعد عام 1979، أي بمعنى آخر، أن التحركات العسكرية الحالية بين الطرفين، هي استمرار للتحرك داخل المنطقة الرمادية نفسها، وهي ذات المنطقة التي فسرت طبيعة الصراع الأمريكي – الإيراني طيلة 40 عام، على الرغم من أن تاريخ الصراع بين الطرفين لم يصل إلى هذا المستوى.
وعليه وفق هذه الفرضية، ربما يكون شروع الولايات المتحدة للحرب مستبعد في الوقت الراهن (على أقل تقدير)؛ لأن الطرفين لديهم مكاسب سياسية وإستراتيجية في المنطقة، ويسعون إلى تحقيقها من خلال إدامة هذا الصراع في المنطقة؛ فهذا الصراع بمثابة المحرك الأساس لأغلب المشاريع الأمريكية والإيرانية في الشرق الأوسط. وربما لخص مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الجنرال مارك كيميت الرغبة الأمريكية من تحركاتها في المنطقة بقوله: "إن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بصدد إعلان حرب ضد إيران، والهدف من التعزيزات الأمريكية في الخليج هو الردع، فقد تُقدِم إيران نتيجة لخطأ في الحسابات وتحت ضغط العقوبات، على تصرف غير محسوب وفي هذه الحالة نحن هناك للرد".
وفقاً للمعطيات الحالية، فإن خيار الحرب يبدو مستبعداً، على الرغم من التحضيرات العسكرية لها، وأن الفرضية الثانية تلخص التصعيد الحالي بين واشنطن وطهران، لاسيما وأن الرئيس الأمريكي الحالي، يبحث عن انتصار سياسي على الصعيد الخارجي يؤهله للانتخابات الرئاسية القادمة والاستمرار في ولايته الثانية في البيت الأبيض.
وعليه، ليس أمامنا شيء سوى أن نضع أيدينا على قلوبنا ونترقب ما سيحدث في الأيام القليلة القادمة!.
اضف تعليق