سعت إسرائيل في أواخر الثمانينيات، إلى فتح باب الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي سابقا باعتباره يمثل أكبر خزان بشري لها، رغم أنه كان يمنع مواطنيه اليهود وغيرهم من الهجرة إلى إسرائيل لأسباب أيديولوجية وسياسية. وقد وضعت إسرائيل كل ثقلها الدبلوماسي لفتح باب الهجرة إليها مجددا...
واجهت "إسرائيل" في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، نقصا كبيرا في استقطاب الهجرة اليهودية. مقابل ارتفاع الهجرة العكسية، رغم الاستمرار الدائم في سياسة تعزيز الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والعمل على تهويدها تدريجيًّا تمهيدًا لضمها إليها! تنفيذا لما جاء في المادة الرابعة من صك الانتداب الذي يحث "على جلب المزيد من المستوطنين من أصقاع العالم!" لأن الكيان الصهيوني يعاني "قلة ديمغرافية"، أمام تواجد أهل البلد ألا وهم الفلسطينيون.
فازداد هاجس "المشكلة الديمغرافية" لدى الكيان الصهيوني كثيرا في أواخر الثمانينيات، وصار البحث المكثف عن كيفية حلها مؤرقا لدى صناع القرار هناك؟ بسبب التوقعات السلبية لعلماء الديمغرافيا مفادها أن "اليهود سيفقدون الأغلبية في فلسطين التاريخية".
فأقدمت "إسرائيل" أولا في منتصف الثمانينيات، على "تهريب" يهود الفلاشا من إثيوبيا، عن طريق السودان، بالتواطؤ مع الرئيس جعفر نميري. رغم أن ذوي البشرة السوداء لم يكن مرغوبًا فيهم كثيرًا، لدى المجتمع الإسرائيلي العنصري أصلا، ومع هذت لم يكن ذلك كافيًا في برنامج وكالة الهجرة الصهيوني؟
فقد سعت "إسرائيل"، في أواخر الثمانينيات، إلى فتح باب الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفياتي سابقا باعتباره يمثل أكبر خزان بشري لها، رغم أنه كان يمنع مواطنيه اليهود وغيرهم من الهجرة إلى "إسرائيل" لأسباب أيديولوجية وسياسية. وقد وضعت "إسرائيل" كل ثقلها الدبلوماسي لفتح باب الهجرة إليها مجددا، مثلما سمح بذلك مابين (1969-1975) لنحو 100 ألف من مواطنيه اليهود المغادرة نحو "إسرائيل"، إثر الضغوطات التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية عليه.
لقد أعادت هذه الهجرة إلى أذهان العرب والمسلمين تغيير موقف الاتحاد السوفياتي غير المبرّر من قيام "دولة إسرائيل" على حساب الفلسطينيين!؟
ثم تلتها موجة ثانية سنة 1989أسفرت عن تهجير نحو 72 ألف يهودي توجه منهم سوى 17% إلى "إسرائيل"! في حين اختارت البقية الاستقرار بالولايات المتحدة الأمريكية، لأنه منح لهم هذه المرة حرية التنقل. وكانت تقديرات الدوائر الإسرائيلية أن 5% منهم فقط سيختارون "إسرائيل"؟
بذلت "إسرائيل" قصارى جهدها لتوجيه هجرة الروس نحوها فقط. وفعلا تكللت هذه الجهود بنقل جميع المهاجرين اليهود الروس من موسكو إلى "تل أبيب" عبر جسر جوي مباشر..
وقد هاجر من دول الاتحاد السوفياتي سابقا إلى "إسرائيل" نحو مليون و100 ألف مهاجر من عام (1989 إلى 2014). هذه المليونية التي تعد الأكبر منذ سنة 1948، غيرت موازين القوة الديمغرافية لصالح الكيان الصهيوني من حيث الحياة الاجتماعية والاقتصادية، متمثلة في: توافد 20نحو ألف طبيب وطبيب أسنان، و24 ألف ممرض، و45 ألف معلم، و20 ألف عالم وفنان وموسيقي.
لقد بعثت هذه الهجرة المليونية ديناميكية إيجابية خاصة في حياة "إسرائيل" (من وجهة النظر الصهيونية) لأنها عزّزت قوتها البشرية بشكل كبير في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية وحتى العسكرية... ومددت تعداد هذا الكيان الدخيل على المنطقة. وبالمقابل ساهمت في تهجير وتشريد المزيد من الفلسطينيين نحو دول الجوار، حتى إن "إسحاق شامير" وصف هذه الهجرة "بالمعجزة الثانية" في حياة دولة الكيان التي غرست في قلب الأمة العربية.
وهو أيضا ما ذكره الرئيس ورئيس الحكومة والوزير السابق، "شمعون بيريز"، في مقالة له سنة2013 بعنوان "المليون الذي غير الشرق الأوسط.. الهجرة السوفييتية إلى إسرائيل"، وكما هو واضح من عنوان المقالة وما يحمله من مضمونها، حتى أنه قال "بدون هذه الهجرة، كنا في حالة ميؤوس منها" ثم يطرح السؤال: "أتدركون ماذا تعني إضافة مليون يهودي؟"
وبطبيعة الحال كان لهذه الهجرة المشوؤمة تأثيرها الكارثي على الشعب الفلسطيني؛ لأنها غيرت الميزان الديمغرافي بشكل واضح لصالح "إسرائيل"، وعزّزت كثيرا من التوجه الاستيطاني التوسعي لهذا المغتصب على حساب شعب أعزل محب للحرية والسلام.
ومن جهة أخرى يفتخر الرئيس الروسي بوتين بتميز العلاقات الروسية الإسرائيلية مثلما قال بسبب تواجد "أكثر من مليون روسي يهودي أصبحت إسرائيل وطنًا لهم". كما يؤكد "حرص روسيا على سلامتهم ورفاهيتهم"! دون أن يستثني المستوطنين منهم في المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1967 وهو يعلم ذلك؟ حيث يشكل المستوطنون الروس رُبْع مستوطني الضفة الغربية. فضلا عن وجود الكثير منهم بين القدس وأريحا؟ كما تشير الاحصائيات
والغريب أن المستوطنين اليهود الروس يحتفظون أيضا بمواطنتهم الأصلية، وأن ثاني لغة مستعملة في دولة الكيان هي اللغة الروسية بعد العبرية، حتى وصفوا الروس المستوطنين بأنهم يشكلون هناك دولة في وسط دولة.
اضف تعليق