الإدارة الجديدة بقيادة ترامب قطعت كل محاولات التقارب، معتقدة أن المشكلة مع إيران لا تقتصر على برنامجها النووي وإنما دورها المتصاعد في الشرق الأوسط، وهنا استطاع ترامب أن يثير ما يعتقده بالخطر الإيراني لدى بعض البلدان العربية الغنية بالنفط التي تخشى إيران لأسباب سياسية وطائفية...

صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من لغة العداء تجاه إيران منذ وصوله إلى إدارة البيت الأبيض في واشنطن، عبر اتخاذه مجموعة خطوات وفي مقدمتها الانسحاب من الاتفاق الدولي القاضي بوقف نشاطات إيران النووية، وهو كان بمثابة نقطة الشروع الأمريكية في التصعيد ضد إيران بعد أن وصلت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران في عهد الرئيس باراك أوباما إلى تفاهمات دبلوماسية كبيرة، وهي أول نجاح في تقارب العلاقة بين أمريكا وإيران منذ عام 1979 إذا ما جعلنا طروحات الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي في مشروع حوار الحضارات، وفتح باب الحوار مع الغرب ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية كمرحلة متقدمة في فتح باب الحوار وترميم علاقات إيران الخارجية.

أما اليوم فإن الإدارة الجديدة بقيادة ترامب قطعت كل محاولات التقارب، معتقدة أن المشكلة مع إيران لا تقتصر على برنامجها النووي وإنما دورها المتصاعد في الشرق الأوسط، وهنا استطاع ترامب أن يثير ما يعتقده بالخطر الإيراني لدى بعض البلدان العربية الغنية بالنفط التي تخشى إيران لأسباب سياسية وطائفية، الأمر الذي يجعل الإدارة الأمريكية تدرك أن الخروج من الاتفاق النووي غير كافي؛ لأنه موقع مع أطراف دولية أخرى وهذا يضمن لإيران منافع اقتصادية.

من هنا، لجأت إدارة ترامب بفرض عقوبات اقتصادية شملت رموز الدولة الإيرانية وشركات مختلفة منها: الطيران والتجارة والنقل والاستيراد والتصدير وغيرها، وقبل أن تنفذ تهديدها بوقف تصدير النفط الإيراني صنفت إدارة ترامب الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية وهو قرار يبين حجم تدهور العلاقة بين الدولتين، ومثل هكذا قرار لم تتخذه الولايات المتحدة ضد جيش الاتحاد السوفيتي في ذروة الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أثناء ما عرف بالحرب الباردة، ولشدة خطورة هذا القرار حذرت دول غربية من خطورة هذا القرار، في حين نددت إيران بالقرار واتخذت قرار تنصيف الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط ضمن لوائح المنظمات الإرهابية كجزء من سياسة التعامل بالمثل.

أما القرار الأخطر من ذلك، فتمثل بإعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو "عدم تمديد فترة الإعفاء من الالتزام بالعقوبات الأمريكية على إيران، وسيلغي إلغاء إعفاء ثمانية دول من استيراد النفط من إيران إلى ما بعد أول أيار المقبل"، وهو بالتأكيد قرار سيحمل في طياته مضار سياسية واقتصادية في الداخل الإيراني حيث سيزيد من معاناة الإيرانيين، وبذلك تريد إدارة ترامب تكرار سيناريو العقوبات الأمريكية على العراق بعد غزوه للكويت في العام1991، وقد القى هذا الأمر تهديدا إيرانيا مقابلا بغلق مضيق هرمز وباب المندب الذي هو منفذ بحري يصدر منه أغلب النفط الخليجي، وإذا ما نفذ الطرفان تهديدهما فأن الأمر سيتطور كثيرا عما شهده العراق بعد عام 1991 حيث صبر على العقوبات الأمريكية في حين استطاعت الولايات المتحدة من إضعاف النظام العراقي وإسقاطه.

أما عن تداعيات القرار الأمريكي بمنع تصدير النفط من إيران في المنظار الاقتصادي والسياسي الإقليمي والعالمي فأنه بمجرد الإعلان الأولي واصلت أسعار النفط ارتفاعها في التعاملات إلى أعلى مستوى لها منذ ستة أشهر، وارتفعت أسعار التعاقدات الآجلة للنفط في تعاملات بورصة لندن بنسبة 0,8% بعد يوم واحد من الإعلان، وارتفع سعر خام برنت بمقدار 57 سنت إلى 74.61 دولار للبرميل الواحد.

وفي جهة بيان الحسابات الإقليمية المؤيدة والرافضة بتصعيد العقوبات الأمريكية ضد إيران فهي لا تخرج عن لعبة المصالح والتوازنات، فقد سمعنا بعد ساعات قليلة من إعلان القرار الترحيب السعودي على لسان وزير خارجيتها إبراهيم العساف إذ وصف هذا القرار بأنه خطوة ضرورية لوقف ما أسماه بسياسة طهران "المزعزعة للاستقرار في المنطقة"، وذكر أن المملكة تقدم دعمها الكامل للخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا التأييد له ما يماثله في دول خليجية أخرى كالإمارات والبحرين التي هي الأخرى منزعجة من دور إيران المتصاعد في المنطقة.

في قبالة ذلك، استنكرت دول عربية هذا القرار مؤكدة على أنها ستتضرر هي الأخرى بهذا القرار حيث أن هناك دول عربية كالعراق تستورد الغاز من إيران في تشغيل المحطات الكهربائية، وإذا ما عالجت هذه العقبة فإنها ستواجه مشكلة كبيرة في توفير الطاقة الكهربائية في أجواء الصيف شديدة الحرارة، ويبدو أن المحاولات من قبل الجانب الرسمي العراقي كصديق لكلا من الولايات المتحدة وإيران لم تجد نفعا في إيجاد جو من التفاهم للمشاكل العالقة بينهما، كما أنه حاول أن يلعب دورا متوازناً في علاقته مع العرب كحلفاء للولايات المتحدة من جهة، وبين إيران من جهة أخرى.

أما موقف النظام السوري الذي هو أيضا يشكل أحد أبرز الاعتراضات الأمريكية على دور إيران في السيطرة على المجال الجيو-استراتيجي السوري ودفاعها عن النظام السوري، فإن النظام السوري رافض لما يعده بقرارات الإدارة الأمريكية السلبية في المنطقة، ومنها في الساحة السورية وتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، في حين فضلت دول عربية أخرى لغة الحياد كمصر وتونس والمغرب لغاية الآن، في حين لم تبدي دول عربية أخرى أي موقف لما تمر به من تحولات سياسية كبيرة مثل الجزائر والسودان.

أما حلفاء إيران في الشرق الأوسط، فقد رفضت تركيا وقطر القرار الأمريكي، كما أدانت روسيا القرار، وعارضت الصين الولايات المتحدة بحزم عقوبات أحادية الجانب، وسيسهم قرار الولايات المتحدة في عدم الاستقرار بالشرق الأوسط وفي سوق الطاقة العالمية، وتعد الصين واحدة من ثمانية مشترين عالميين نالوا إعفاءات لاستيراد النفط الخام في تشرين الثاني، حيث تشتري الصين النفط الخام الإيراني بإجمالي واردات بلغ العام الماضي 29.27 مليون طن، بما يعادل حوالي 585 ألفا و400 برميل يوميا، وهو ما يشكل نحو 6 % من إجمالي واردات الصين النفطية، أما المفوضية الأوروبية فقد رفضت قرار واشنطن مشيرةً إلى أن دول الاتحاد الاوروبي ستواصل احترام الاتفاق النووي.

وبغض النظر عن مواقف الفريقين الرافض والمؤيد فمن دون شك أن سلسلة قرارات التصعيد التي اتخذتها إدارة ترامب تمثل تصعيد غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، وأنه يهدف من دون شك إلى التضييق على دور إيران المتصاعد في المنطقة كمحاولة إما لإضعافها من الداخل عبر العقوبات الاقتصادية كمرتكز يمس عيش الشعب الإيراني، أو تنازل إيران عن دورها في المنطقة.

وهنا، قد تتخذ الولايات المتحدة قرارات مغايرة تساهم في تطوير علاقتها مع إيران، وهذا الخيار مستبعد في ظل الإدارة الأمريكية الحالية وذلك لتحكم العقلية النفعية في ممارسة الضغوط على خصوم إيران في المنطقة لاسيما الدول الغنية بالنفط، ولأسباب أخرى منها العداء الإسرائيلي من إيران وحلفائها من الحركات والجماعات الإسلامية في عدد من البلدان العربية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2019Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق