بعد تولي الملك "سلمان بن عبد العزيز" الحكم في المملكة العربية السعودية، لم يكن امام الفريق الذي خرج خالي الوفاض من اي منصب، سوى الاصطفاف في جانب المعارضة، وطبيعة اي حكم يدار من خلال الوراثة والاعتماد على نظام "الملكية المطلقة"، ان يشهد الصراعات من اجل السلطة وحياكة المؤامرات بين الامراء والعوائل القوية، كلما تغير رأس الهرم باخر قد يغير العديد من المعادلات السابقة التي اقامها سلفه، خصوصا في حال شعور بعض الامراء من ذوي النفوذ او المقدرين من كبار السن داخل اوساط العائلة المالكة بالإهانة نتيجة لتهميشهم او ابعادهم وابنائهم عن المناصب السياسية المهمة في هرم السلطة السعودية، وهو ما حدث فعلا بعد حملة المراسيم الملكية التي اصدرها الملك الجديد.
ويقال ان ولده الشاب الامير "محمد بن سلمان" كان ورائها لإبعاد اقرب المنافسين للعائلة "السديرية" التي ينتمي اليها، واستبدالها بوجوه جديده اكثر ولاءً للملك، وكان من ابرز ضحايا الابعاد الامير "متعب بن عبد الله" ابن الملك السابق "عبد الله بن عبد العزيز" والمرشح القوي لإشغال منصب ولي العهد، على الرغم من احتفاظه بمنصب رئيس جهاز "الحرس الوطني" الرديف للجيش النظامي السعودي، والذي حاول الملك "سلمان" اقحامه بعمليات "عاصفة الحزم"، (بعد ان امر باستعداده وجهوزيته للمشاركة في الحرب)، قبل يوم واحد من اعلان انتهاء هذه العمليات وبدء عملية "اعادة الامل"، من دون معرفة السبب الحقيقي وراء هذا القرار.
هذه الخلافات لم تقتصر ابعادها عند حدود العائلة، بل تعدتها الى خارج اطار الصراع العائلي، وهي طبيعية فرضتها المصالح المشتركة مع العوائل الحاكمة لدول مجلس التعاون الخليجي، فالإمارات مثلا، والتي كانت علاقتها مع الملك السابق والمقربين منه اكثر اعتدالا من علاقتها بالملك الحالي، وكانت تسريبات "ويكلكس" قد اشارت الى حجم ازدراء بعض امراء الامارات لبعض الامراء السعوديين، وفي الوثيقة التي كشفها الموقع بتاريخ 10/ يناير/ 2003، اي قبل الغزو الامريكي للعراق، والتي اوردت حوارا بين ولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد"، (وكان وزيرا للدفاع آنذاك)، وبين مدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في وقته، "ريتشارد هاس"، وجه خلاله الشيخ "محمد بن زايد" انتقادات حادة لعدد من الأمراء السعوديين، وخص منهم الامير "نايف بن عبد العزيز" (وزير الداخلية السعودي في حينها، ووالد الامير محمد بن نايف ولي ولي العهد الحالي) الذي قال عنه إن "أخلاقياته أثبتت أن نظرية داروين صحيحة"، في إشارة إلى نظرية عالم الأنثروبولوجيا "داروين" التي زعم فيها أن الإنسان كان "قردا" في الأصل قبل ان يتطور ليصبح "انسان"، واضاف "بن زايد" أن "هناك دراسة تشير إلى أن 90% من الشعب السعودي ينتظر الأمريكيين بعد انتهائهم من العراق ليغيروا لهم آل سعود"، مؤكدا إن "السعودية وقطر تشتركان معا في أصلهما الوهابي، وعلاقتنا مع الرياض معقدة، لكننا في هذه الآونة الصعبة نسايرهم"، ويبدو ان جزء من هذه "المسايرة" كان المشاركة في "عاصفة الحزم" لتجنب "عاصفة الغضب" السعودي من الامارات، وبالأخص عندما يستلم ابناء (...) السلطة، بحسب المفهوم الاماراتي.
كما اشار "مجتهد" في حسابة الشهير على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، الذي يتابعه اكثر من (1.8) مليون شخص، ويؤكد ان لديه العديد من المصادر القريبة من القرار السعودي، اضافة الى الاعتقاد السائد بأنه من العائلة المالكة في السعودية، (وله العديد من التغريدات التي سرب فيها العديد من المعلومات الصحيحة والاحداث قبل وقوعها)، الى وجود خلافات حقيقية سبقت "عاصفة الحزم" وتفاقمت بعد هدوء العاصفة، او بالأحرى دفعت الى ايقاف عمليات الحزم، بعد ان زاد عدد المعارضين لزيادة نفوذ "محمد بن سلمان" و"محمد بن نايف" وانفرادهما بالقرار السياسي داخل المملكة، والتي استوجبت تدخل بعض الامراء للحد من تصرفات ابن الملك الجديد، من خلال استخدام علاقاتهم بدول اقليمية ودولية لعدم جر المملكة الى اتون حرب برية لم تكن السعودية قادرة على خوض غمارها بمفردها (بعد انسحاب باكستان ومصر من المشاركة)، اضافة الى عدم جديه حلفائها الخليجيين واقتصار دعمهم العسكري على الضربات الجوية، كما ان الولايات المتحدة الامريكية، التي فضلت الحل السياسي منذ البداية، توقفت مساعدتها على تقديم الدعم اللوجستي والاستخباري.
وكانت هناك العديد من العلامات الواضحة على الخلاف الحاد بين الامراء حول عاصفة الحزم، التي اصبحت امتدادا طبيعيا للخلاف حول السلطة ومحاولة تسقيط الاخر، والا فما معنى الاعلان عن توقف عمليات "عاصفة الحزم" والبدء بعملية "عودة الامل" ثم يتم قصف اهداف جديدة في اليمن في نفس اليوم وبعد ساعات قليلة من هذا الاعلان؟
وما معنى ان تتوقف الحرب بصورة مفاجأة وحتى قبل اكمال الاهداف التي قامت من اجلها (انسحاب الحوثيين، عودة الرئيس "هادي" الى السلطة، تدمير القدرات الصاروخية التي تهدد امن المملكة، اجبار الحوثيين على قبول السيناريو السعودي لحل القضية اليمنية)، او جزء من هذه الاهداف.
وفي حال صدقت التوقعات التي اشارت الى هذا الخلاف السعودي-السعودي، والذي كان سببا في هدوء "عاصفة الحزم" رغما عنها، فان الخلاف بالتأكيد لن يتوقف عند هذا الحد، بل سيتجاوزه لما بعد عاصفة الحزم، سيما وان "عودة الامل" ما زالت موجودة، والضربات الجوية ما زالت موجودة ايضا، والامراء الحانقون ما زالوا يتحينون الفرص ضد "الحكام الجدد" في المملكة.
اضف تعليق