تعرضت الليرة التركية لانخفاض كبير في قيمتها النقدية إمام الدولار الأمريكي فتحركت إزاء ذلك الإدارة التركية لحلحلة الأزمة باتخاذ عدة قرارات ومعالجات، وهنا نتساءل هل ترافقت مع تلك التحركات العلاجية لعناصر الأزمة الاقتصادية معالجات ذات طبيعة جيوسياسية، بداية لابد من التأكيد انه وأثر تطبيق النموذج الاقتصادي...
تعرضت الليرة التركية لانخفاض كبير في قيمتها النقدية إمام الدولار الأمريكي فتحركت إزاء ذلك الإدارة التركية لحلحلة الأزمة باتخاذ عدة قرارات ومعالجات، وهنا نتساءل هل ترافقت مع تلك التحركات العلاجية لعناصر الأزمة الاقتصادية معالجات ذات طبيعة جيوسياسية.
بداية لابد من التأكيد انه وأثر تطبيق النموذج الاقتصادي الذي اتبعته تركيا الأردوغانية قد فسح الطريق واسعا امام حزب العدالة والتنمية بالفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية مرات عدة، مما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و الصقور من إدارته إلى استغلال وتوظيف عوامل عدة للضغط بقوة على تركيا لأسباب تتعلق برفضهم التام لمساراتها الجديدة المتبعة في سياستها الخارجية والتي دفعتهم لفرض عقوباتهم عليها مما اوقعها في ازمة نقدية كبيرة.
المتأمل بأزمة العملة التركية الحالية يجد إن هناك أسباب ذات طبيعة جيوسياسية بارزة في أصل الأزمة الاقتصادية والمالية التركية الحالية،إذ ومنذ نهاية الحرب الباردة كان قد شهد العالم إعادة هيكلة العلاقات الدولية والذي افرز الانسحاب شبه التدريجي للولايات المتحدة عن اجواء منطقة الشرق الأوسط مما فسح المجال لتركيا وبحرية اكبر لبسط النفوذ فتمكنت بفضل مهاراتها الدبلوماسية والجسور الجيوسياسية من استعادة وظيفتها الأساسية في تحقيق التوازن في الشرق الأوسط عبر تعاونها مع كلا من روسيا وإيران مما عنى تواجد منافس عالمي حاد للولايات المتحدة جيوسياسيا وإقليميا وكما إن ذلك شكل تهديدا رئيسا لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط مما استوجب عودة شاملة للوجود الأمريكي إلى المنطقة.
فأرادت تركيا عبر تلك الخطوات المتلاحقة افتراض وجود دور مركزي لها في السيناريوهات الجيوسياسية المستقبلية والاستفادة من الامتيازات الجغرافية المتجاورة بأعتزام الارتقاء لمطاف قوة دولية مؤثرة،لذا نوت وانطلقت بإجراء تغيير واضح وحاد في التحالفات الإستراتيجية بالبحث والتوافق مع شركاء جدد لمواجهة التحديات العسكرية والاقتصادية والإستراتيجية والطاقة الرئيسية،مما أدى إلى اعادة تقوية علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي إذ لا احد يستطع نكران الترابط الاقتصادي الكبير بينهما والذي فاعلته أكثر الفجوة العميقة بينهما وبين الولايات المتحدة إزاء رفضهما لعقوباتها على إيران نتيجة للاتفاق النووي الذي انسحبت الإدارة الأمريكية منه بينما استمرت دول الاتحاد الأوروبي مصرة على وجوب التمسك به فوجدت بالتصادم الأمريكي _التركي فرصة لاثبات مكانتها وابراز وجودها بالخروج من تحت مظلة التبعية الأمريكية مما انتج فرصة كبيرة لتركيا لتعزيز علاقاتها الترابطية معها مما يشكل صفعة للعقوبات الأمريكية المفروضة عليها وزيادة بتوسيع الشق الأوروبي الأمريكي مما يخدم حلفاء الترك، الروس والإيرانيين.
ولتفعيل الجوانب الجيوسياسية عمدت تركيا إلى استغلال وتوظيف النزاع التجاري الأمريكي_الصيني عبر تعزيز العلاقات التجارية التركية مع الصين لدرجة أنها وعدتها بجعلها شريك تجاري جدير بالثقة وتحقيق قفزة مالية ترابطية بين البلدين بجعل التعامل التجاري بينهما خاضع لعملاتهما الوطنية والغاء التعامل بالدولار الأمريكي بينهما مما مثل صفعة ثانية لربما كانت اقوى من الأولى للولايات المتحدة. ثم سارعت بتفعيل جانب جيوسياسي أخر عبر تشديد المزيد من العلاقات مع دولة إستراتيجية ومضادة إلى حد ما للمحور الاستراتيجي لحلفاء الولايات المتحدة،وبالوقت ذاته فهي مع صغر حجمها لكنها تمثل كما كبيرا ودقيقا في معادلة توازن الشرق الأوسط وهي قطر.
في هذه الأزمة السياسة الدولية تبدو لنا نتيجتها إن الدولة المعزولة جرائها ليست تركيا إنما الاكثر انعزالا هي الولايات المتحدة، وان المحور الاستراتيجي التي رسمته وصنعته الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط أضحى يعاني جراء تعزز وتشدد وتوسع النفوذين الروسي والإيراني اللذين هما بذات الوقت يتعرضان مع حليفتهم الصين للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، لذا يشاركونها لتركيا تكتيكيا واقتصاديا ويدعمونها ويسندونها جيوسياسيا على نحو متزايد إذا ما لزم الأمر لمتابعة مصالحها ومصالحهم الإستراتيجية لمحاولة تحطيم المكانة والهيبة الاقتصادية الأمريكية.
..........................................................................................................
اضف تعليق