ليس من السهل على سكان العالم العربي والشرق الاوسط النظر الى مناطقهم التي يعيشون فيها على انها مناطق توتر وانقسام وصراع طائفي مرير، لكن هذا هو الواقع وهو ما يفرض نفسه الان ويعيش فيه الجميع.
بعد مرور سنوات على انتهاء حلم الربيع العربي الذي انطلق من تونس عام 2011 ليشمل مصر وليبيا واليمن والبحرين والسعودية وسوريا، اضافة الى دول عربية واسلامية اخرى لكن بدرجات متفاوتة، والذي تمنى فيه المواطن البسيط بالحصول على حقوقه الضائعة وكرامته التي اختزلها الحكام بمناصبهم وانظمته الاستبدادية، ليفاجَأ بحجم المأساة التي عاشها ويعيشها بعد ان اختبر صلابة هذه الانظمة التي لم ترحل الا بتطبيق "سياسة الارض المحروقة" فيما بدلت الاخرى ثوب اخر ليتناسب مع مرحلة التغيير، بينما حافظت بعض الانظمة على ارثها التسلطي باستخدام "العصى والجزرة" او "الثواب والعقاب" لتستمر من دون ان تعنيها مطالب الاصلاح السياسي والاجتماعي والديني الذي نخر فيها حتى النخاع.
الغريب ان هذه الفترة التي من المفترض ان تشهد انفتاحا سياسيا وتحولات ثقافية وفكرية تلبي طموحات الثائرين نحو الحرية ورفع القيود السلطوية، تحولت الى سلسلة من الهزائم العربية بامتياز، بعد ان تحولت الى:
- صراع ديني-ديني (والتي شهدت حملات واسعة لقتل وتهجير المسيحيون والاقليات الدينية الاخرى في مصر والعراق وسوريا وليبيا...الخ)
- صراع طائفي-طائفي (وبالأخص الصراع المذهبي بين السنة والشيعة الذي ينتمون الى دين واحد)
- تنامي الحركات الدينية المتطرفة (من امثال تنظيم "داعش" واستغلال الدين كذريعة في القتل والابادة، وهو ما شجع حركات اخرى في شمال ووسط افريقيا على انتهاج نفس الاسلوب الوحشي لتطبيق ما يعرف بنهج "الخلافة الاسلامية" المزعومة.
- الحروب الاهلية التي استعرت في ليبيا واليمن وسوريا وتحكمت فيها النزاعات القبلية او الطائفية او السياسية.
- استغلال النساء كأحد ادوات العنف والاستغلال بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر، حيث اعتبرت المرأة كأداة للجنس والقتل في ان واحد.
ان اشغال المواطن العربي او الشرق اوسطي عن همومه واحتياجاته الاساسية في الحرية والديمقراطية وتوفير العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الخدمات الضرورية ليعيش حياته بكرامة كما يعيشها اي مواطن عادي في اي بلد غربي او اسيوي متطور، بقضايا طائفية او سياسية- طائفية كانت احدى ثمار الدكتاتورية التي امتعضت من الربيع العربي الذي جاء في غير اوانه، وكان لزاما على العرب قطف هذه الثمار في حرب طائفية تجري احداثها في اليمن او سوريا او البحرين او لبنان، من دون الالتفات الى ما ستؤول اليه هذه الحروب وكيف سيكون حال العرب والمسلمين بعد عقد من الزمن على سبيل المثال؟ ومن الرابح الاكبر من هذه الحرب او الحروب؟ وما الفرق بين داعش عندما يقتل الالاف من المدنيين في العراق وسوريا وبين "التحالف العربي" لقتل المدنيين في اليمن؟
يجد الكثير منا صعوبة في فهم هذا الانحدار العربي والاسلامي الكبير نحو هاوية الحروب الدينية والطائفية، التي انتجت "داعش" و"القاعدة" وما شاكلها في الفكر والفعل، لكن الحقيقية ان ما ثار عليه العرب ايام الربيع هو ما يحاول اليوم اشغال العرب بالعرب والمسلمين بالمسلمين وغيرهم، ليتجنب بذلك ما قد يؤدي الى زوال ملكه او تقييده بالديمقراطية والحرية، وهو ما تخشاه الانظمة العربية اكثر من الموت او التهديدات الخارجية، وقد عبر الرئيس الامريكي "باراك اوباما" عن ذلك عندما قال إن "أكبر خطر يتهدد عرب الخليج ليس التعرض لهجوم من إيران إنما السخط داخل بلادهم، سخط الشبان الغاضبين العاطلين والإحساس بعدم وجود مخرج سياسي لمظالمهم"، وربما ضرب "اوباما" لعرب الخليج مثالا بسيطا للخطر الذي يحيط بهم، من دون الحاجة الى ذكر الاسباب التي قادت الى هذه الاحتمالات او المطلوب عمله لتجنب هكذا توقعات.
بقي ان نشير الى ان الشرق الاوسط والعالم العربي ما زال ينحدر نحو الهاوية ما دامت فيه انظمة تستمد قوتها وبقائها على تغذية الفكر المتطرف والصراع المذهبي بين العرب انفسهم والمسلمين ايضا، والتي لن يسلم منها احد، وحتى يحين الوقت الذي قد نستشعر فيه واقعنا المرير، سوف نعيش في نفس الدوامات القديمة الحديثة، وسوف يقتل بعضنا البعض الاخر باسم الدين والمذهب، وسوف ندوس كرامتنا وننسى حريتنا من اجل الحفاظ على بقاء حكامنا وقادتنا بخير وسلامة.
اضف تعليق