من ينظر الى خارطة العراق وهي واقفة سيُخيّل اليه وكأنها كائن حيّ.. رأسه في الشمال، وجسده في الوسط، واطرافه في الجنوب.
وهذا الكائن الحي اكتسب مقومات الحياة من خلال تواصل اجزائه الثلاثة.. فهو عندما يفقد اي جزء منها يصبح معاقا، وكائنا غير متكامل، وغير سوي وغير معافى.
لقد حاول البعض.. وما زال يحاول ان يقتطع جزءاً من هذا الجسد، بوعي او بدون وعي، لكن لا حياة لأي جزء من هذا الكائن الا مع بعضه، لا نستطيع المزايدة على وطنية الآخرين.. لكن ربما هناك ظروف واشكالات وتداعيات تدفع البعض الى العمل على اقتطاع اجزاء من العراق، لإنشاء اقاليم عرقية او اثنية، وتم التثقيف على ذلك، وصوروا للناس ان الخلاص يتم بفصل الرأس عن الجسد. لقد فقدنا كعراقيين الكثير من أمننا واستقرارنا ومقومات اقتصادنا بسبب الحروب المتتالية والمدمرة، حتى افقدتنا تداعيات الحروب الثقة بأنفسنا وبلدنا، فصرنا نبحث عن حلول غير جادة وغير منطقية ومجهولة النتائج..
لقد بُنيت جدرانا بين المدن لعزل بعضنا عن بعض.. ووضُعت اهداف على اساس تقسيم العراق، كما وضعت ذلك السياسة الخارجية لبعض الدول الاقليمية لحل الازمات، ولم يترك الامر لأهل العراق يقررون مصيرهم ومستقبلهم.. بل ان بعض الحلول وضعت جاهزة خارج الخارطة العراقية، ولقيت تلك الحلول تجاوبا من بعضنا، فحلا له ان يعيش في وطن مستقل.. انها النظرة القاصرة التي لم تأخذ جميع الاحتمالات والمتغيرات الجيوسياسية بنظر الاعتبار ازاء اي تغيير في الخارطة، واحتمال نشوب نزاعات محلية، وما يتسبب ذلك من عرقلة لصفو الحياة التي تصوروها وردية بالانفصال والاستقلال..
لقد نادى كثير من السياسيين وارتفعت اصواتهم بضرورة انشاء اقليم الجنوب ذي الاغلبية الشيعية، كما نادى سياسيون آخرون بالإقليم الغربي ذي الاغلبية السنية، فيما أن اقليم الشمال قائم ويتمتع بصلاحيات لا تتمتع بها المحافظات، ويعمل قادته ليلا ونهارا من اجل العزلة والانفصال، وجرى التثقيف على هذا الاساس حتى غدا المواطن الكردي يؤمن ان خلاصه بإنشاء دولة كردية.. وان البقاء مع العراق معناه بقاء المشاكل قائمة.
وعودة الى الخارطة والكائن الحي ومحاولة فصل اجزائه.. فإقليم كردستان يمثل راس العراق.. ولا عيش للعراق بغير هذا الرأس، كما ان لا عيش للراس متى انفصل عن الجسد.. هذه هي بايلوجية الكائنات الحية..
لقد مرت الايام عصيبة على اقليم كردستان بعد الازمة المالية التي تسببها تدني اسعار النفط وانخفاض الميزانية العامة للدولة وفقدان السيولة.. كما ان حركة السياحة تأثرت بشكل كبير خلال هذا الموسم.. خاصة في اعياد نوروز.. ومن المتوقع ان يستمر انخفاض اعداد السواح في الصيف المقبل للوافدين من الوسط والجنوب، بسبب العمليات العسكرية ضد فلول الارهاب، ما يجعل الطرق البرية غير امنة، وكلفة النقل الجوي باهظة.. وهذا يؤدي الى خسارة لكثير من المرافق السياحية التي اعتادت ان تستقبل مئات الالوف من السواح كل عام..
نعتقد ان معظم اقتصاد الاقليم مبنى على اساس القطاع السياحي، وفعلا عملت ادارة الاقليم على تطوير هذا القطاع ودعم الاستثمار فيه، فشهدت المرافق السياحية في الاقليم تطورا ملحوظا.. وهذه المرافق تحتاج دائما الى رواد، ومتى انقطع روادها وجلهم من الوسط والجنوب كما اشرنا ذلك، فان تلك المرافق ستتعطل وسيؤدي ذلك الى زيادة نسبة البطالة بسبب فقدان كثير من العاملي في القطاع السياحي لأعمالهم..
اذن لا حياة لراس العراق بدون الجسد.. كما ان هذا الامر ينطبق على الوسط والجنوب، ان تقطيع العراق يعني تقطيع شرايينه.. دجلة والفرات.. فمتى مضى مشروع تقسيمه الى اقاليم لم يعد هناك دجلة ولا فرات، لانهما سيكونان محل نزاع.. فسيلجأ الاقليم الى بناء السدود لخزن مياه المنبع وتغيير مساراتها للافادة منها في المناطق الخاضعة لسلطته، وهكذا سيعمل الاقليم الغربي اذا ما تسنى له اخذ دوره حتى يمنع وصول مياه الفرات الى الوسط والجنوب.. ويبقى الجنوب محاصرا لا مياه ولا دجلتاه.
اضف تعليق