q
لقد كان الدرس الرواندي قاسيا بحق. وقد تابعنا الكثير من التقارير التي ظلت تلاحق ذيول الحدث من خلال لقاءات مع الناجين من المجازر، ومستجدات الوضع في هذا البلد الافريقي الفقير. وفي العموم ضمّد الروانديون جراحهم واستأنفوا حياتهم من جديد، متجاوزين آلامهم وصور الماضي المرير. وهو امر يبعث على الامل من ان الشعوب المتخلفة اذا ما توفرت لها فرصة للنهوض فستنهض...

بثت احدى الفضائيات مؤخرا، تقريرا عن رواندا، البلد الذي شهد اسوأ حرب اهلية في العام 1994 بعد سقوط او اسقاط طائرة الرئيس الذي ينتمي لاحدى القبيلتين الرئيستين، الهوتو والتوتسي، ومقتله الذي فجر تلك الحرب المجنونة، ليذهب ضحيتها مئات الآلاف من البشر.

لقد تابعنا من خلال الاعلام، ما وصلنا من تلك المأساة الانسانية التي جرحت الضمير الانساني، لهول ما حصل فيها، ولان المجتمع الدولي، تقاعس ووقف متفرجا على ما كان يحصل، ولم يقم بما يجب ليمنع حصوله، او يوقف المجازر بعد ان بدأت. واتذكر انه في بداية الازمة، طلبت فرنسا من المجتمع الدولي التحرك لمنع الكارثة، لكن للاسف الشديد، كان الرد الاميركي مخيبا للامال، على لسان وزير الخارجية، وقتذاك، وارن كريستوفر، الذي انتقد فرنسا ووصف طرحها بالمتسرع! وان من المفارقة ان شعورا بالذنب، ظل يلاحق الادارة الاميركية التي اعترفت بالتقصير بعد حين!

لقد كان الدرس الرواندي قاسيا بحق. وقد تابعنا الكثير من التقارير التي ظلت تلاحق ذيول الحدث من خلال لقاءات مع الناجين من المجازر، ومستجدات الوضع في هذا البلد الافريقي الفقير. وفي العموم ضمّد الروانديون جراحهم واستأنفوا حياتهم من جديد، متجاوزين آلامهم وصور الماضي المرير. وهو امر يبعث على الامل من ان الشعوب المتخلفة اذا ما توفرت لها فرصة للنهوض فستنهض، وان الامر لا يحتاج سوى ان يمد المجتمع الدولي يده ليقيل عثرتها، التي اسهمت في صناعتها ظروف معينة، ربما يقف خلفها لاعبون في الخفاء، محليون او خارجيون.

في التقرير الاخير، يوجد الكثير مما يبعث على الامل، ويبشر بانتهاء، ولو نسبي للعناء في هذا البلد الذي يقطنه اخوة لنا في الانسانية، اذ يقول التقرير، ان الحكومات المتعاقبة، تمكنت من مضاعفة مستوى دخل الفرد عما كان عليه في العام 1994 الذي حصلت فيه الكارثة، لاربع مرات، وان هناك املا في حياة افضل بعد ان عرف البلد الاستقرار وتنعّم يالسلام الذي فقده على خلفية الحادث المشؤوم واشتعال الحرب الاهلية التي كانت بمنتهى الوحشية، بعد ان استخدمت فيها آلات بدائية كالرماح والفؤوس، لتخلف تلك الاعداد الهائلة، ممن كانوا ضحايا للتعصب القبلي، وقيام المجرمين والمتطرفين من كلا القبيلتين في اشعال الفتنة التي لم يكن العالم على مستوى المسؤولية تجاهها.

ان اجمل ما سمعته في التقرير، ان الحكومة الرواندية، قامت بتوزيع الملايين من الكمبيوترات على الاطفال. وقد اظهر التقرير المصور، عشرات الاطفال وهم يستخدمون الكمبيوترات الملونة، ويجلسون بعضهم الى جوار بعض، لينفتحوا على الحياة من خلال هذا الجهاز الحضاري، ويطلعوا على التقنية الحديثة، التي ستمنحهم فرصة لتعليم ارقى وسيصبحون مؤهلين للالتحاق مع بلدهم بالعالم المتمدن. وهو ما نتمناه لهؤلاء الاطفال الذين ولدوا بعد المحنة التي عاشتها بلادهم، والتي سيقرؤونها بصفتها جزءا من ماض مرير، يحفزهم على العيش بسلام ومحبة كابناء بلد واحد.

لا ادري ان كان المسؤولون العراقيون، قد وضعوا برنامجا علميا، يكون من اولوياته منح كل طفل او تلميذ كمبيوترا خاصا، منوهين هنا الى ان سعر الكمبيوتر صار بسعر التراب، لاسيما في الصفقات الكبيرة. فهل من يسمع، لنكون مثل رواندا في الاقل؟!.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق