إن النصوص الدينية تؤكد على طلب العلم والمعرفة، كما تؤكد في الوقت نفسه على تضمينها بالحكمة والفائدة الحقيقية للانسان والمجتمع برمته على طول الخط، ولذا ربط العلماء بين العلم والإيمان فالانسان المؤمن هو الذي يغرس الله –تعالى- العلم في قلبه...
بمقدار ما وفرت التقنية الحديثة من الوقت والراحة في مجالات عدّة، فانها اجبرت الانسان على دفع أثمان باهظة في الجانب المعنوي والمادي ايضاً في المدى غير المنظور، لان التقنيات الحديثة المهيمنة على الزراعة والصناعة وعالم الاتصال وما يتعلق بالغذاء والدواء، تحقق فوائد آنية وملموسة لا يرقى اليها الشكّ، بل تمثل في نظر الكثير من المنجزات الحضارية للأمم، بيد ان التقنية المتطورة دائماً، هي نفسها التي بدأت تكشف لنا يوماً بعد آخر، حجم الاضرار الرهيبة التي تتركها بعض هذه التقنيات، وليس كلها طبعاً.
وقد تنبّه العلماء أخيراً الى أن السرعة واختصار الطرق، لن تكون العامل الوحيد لإسعاد الانسان، إنما هناك طرق علمية اخرى كفيلة بأن توفر له ما يريد من دون أية مضاعفات جانبية او اضرار محتملة.
لنا أن نشكر تقنية الاتصال الحديثة ومفرداتها من شبكات التواصل وتطبيقات الاتصال السريع والمجان على ما تسديه من خدمة جليّة في نشر تحذيرات من جهة ونصائح من جهة اخرى تتعلق بطريقة استخدام وسائل الاتصال مثل الهاتف النقال، او تناول الاغذية المعلبة او الاطعمة الجاهزة، او حتى أمور تتعلق بالسلوك اليومي والعلاقات الاجتماعية والأسرية وانعكاساتها على الصحة النفسية، مثال ذلك؛ إماطة اللثام عن حقيقة زيوت الطعام المنتشرة بماركات عالمية مختلفة، وما لها من أضرار رهيبة على صحة الانسان، وبالمقابل الكشف عن جريمة تهميش مادة السمن الحيواني عن المائدة بحجة تسببه بالسمنة وتصلب الشرايين، وبالمقابل تغييب الحديث عن مخاطر السكر الداخل في مختلف اشكال السكاكر والحلويات التي تعجّ بها الاسواق والمجال التجارية في جميع بلدان العالم كونها تستهدف الاطفال والشباب وجميع افراد الأسرة، والمثال الآخر؛ الكشف عن أضرار تأخر الزواج والانجاب في سنٍ متأخر.
يُنقل عن أحد علماء الطب -وهو مسلم- متخصص في الفيروسات، وكان عن وسيلة لقتل فيروس يعشعش في الدماغ ويتسبب بمشاكل صحية، وعكف أيام وأشهر دون جدوى لايجاد عقار للقضاء على هذا الفيروس، وعندما حان وقت الصلاة نهض من مكان عمله في المختبر تاركاً الفيروس تحت المجهر، وبعد الوضوء، وفيما كان الماء يتساقط من وجهه وأنفه، سقطت قطرة من أنفه على مكان المجهر حيث الفيروس فاراد ان يتحقق من وضعه بعد ملامسته بالماء فكانت دهشته كبيرة بموت هذا الفيروس في الحال، فكيف حصل هذا؟!
راجع أحكام الوضوء، فوجد في مستحبات الوضوء ورد عن الأئمة المعصومين، عليهم السلام، الاستنشاق بعد غسل الوجه في الوضوء، وهو أن يستنشق الانسان الماء بأنفه ثم يطرحه، وأي شخص ربما يفعل هذا دون أن يعرف العلّة والفائدة من وراءه، واذا هي ليس فقط استنشاق من باب الاستحباب وكسب الثواب، وإن شمل ذلك، بيد أن الفائدة الأعظم والملوسة لصاحبه، توفير الحصانة الدائمة من فيروس متربص في الدماغ ينمو ويسبب مشاكل كثيرة للانسان.
والامثلة على ذلك كثيرة لاتُعد ولا تحصى، حتى عن دقائق الامور، مثل آداب التخلّي حيث يُشاع في العالم "المراحيض الصحيّة الغربية"، فجاء مسلسل الكشوفات العلمية الجديدة لتكشف عن أضرار هذا النوع من المراحيض على الأمعاء الغليضة وتفضيل الطراز الشرقي المعهود في بلادنا، أما الحديث عن أضرار الهاتف النقال بعد اكتساحه للهاتف التقليدي (السلكي)، فانه يطول، وقد انتشرت الكثير من التقارير المحذرة من مغبة الالتصاق بالنقال واتصال العين بالشاشة الصغيرة؛ سواءً للتواصل والاتصال، او لممارسة الالعاب اللاهية.
إن النصوص الدينية تؤكد على طلب العلم والمعرفة، كما تؤكد في الوقت نفسه على تضمينها بالحكمة والفائدة الحقيقية للانسان والمجتمع برمته على طول الخط، ولذا ربط العلماء بين العلم والإيمان فالانسان المؤمن هو الذي يغرس الله –تعالى- العلم في قلبه، جاء في الحديث الشريف: "العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء"، والإيمان دستوره القرآن الكريم وسيرة الأئمة المعصومين، عليهم السلام.
فمن أجل الوقوف على مواطن العلم والمعرفة في هذا الدستور (الثقلين)، علينا بقراءة علمية متأنية لهما، بغير القراءة السطحية التي نرجو منها الثواب أوالتشفّع بالمعصومين، عليهم السلام، والنظر في المحرمات وحسب، إنما تسليط الضوء على المكروهات من الاعمال والسلوك، مثل؛ التوصية بعدم شرب الماء من الإناء المكسور، فقد ثبت أن منطقة الكسر في الإناء يكون معقل الجراثيم والبتكريا التي ستجد طريقها الى جسم الانسان عندما يستخدمها صاحبها، فلو تحدث الأئمة عن الجراثيم والبتكريا في ذاك الزمان هل كان أهل الحجاز والكوفة وغيرها من الامصار يفهمون شيئاً؟!! أو كراهية شرب الماء ساخناً والذي من شأنه التسبب في انتاج الخلايا السرطانية في الفم، وغيرها كثير.
والخطوة الثانية بعد القراءة المعمّقة، نشر العلم وهو "زكاته"، الحديث الشريف: "زكاة العلم نشره"، على لسان الخطباء وفي أقلام الكتاب لتتحول الى ثقافة عامة تجعل المجتمع مستفيداً من مختلف التقنيات العلمية والتكنولوجيا الحديثة ومستفيداً في الوقت نفسه من كامل الحصانة التي تقيه الاضرار الجانبية لهذه التقنيات –إن وجدت طبعاً-.
اضف تعليق