اواخر العام 1980 وبينما كانت الحرب العراقية الايرانية في اشهرها الاولى، جرت الانتخابات الاميركية، وكان التنافس فيها حادا بين الرئيس، المنتهية ولايته، جيمي كارتر والمرشح الجمهوري رونالد ريغان. وكان الاخير في تصريحاته وتهديداته ووعوده، يشبه الى حد كبير دونالد ترامب، واعتقد كثيرون انه سيضع حدا للحرب...

اواخر العام 1980 وبينما كانت الحرب العراقية الايرانية في اشهرها الاولى، جرت الانتخابات الاميركية، وكان التنافس فيها حادا بين الرئيس، المنتهية ولايته، جيمي كارتر والمرشح الجمهوري رونالد ريغان. وكان الاخير في تصريحاته وتهديداته ووعوده، يشبه الى حد كبير دونالد ترامب، واعتقد كثيرون انه سيضع حدا للحرب التي صار استمرارها يقلق الناس في العراق وخارجه، لاسيما بعض دول الاقليم العربي، ممن اعتقدوا، ان كارتر ضعيف، واميركا بحاجة الى رجل قوي يقف بوجه التحديات التي عصفت بالمنطقة والعالم، واخرها، حينذاك، الغزو السوفيتي لافغانستان.

جاء ريغان، لكن الحرب استمرت ثماني سنوات، لان قرار ايقافها، يكمن اولا واخيرا في ارادة المتحاربين انفسهم وليس الاخرين، واستمر ريغان رئيسا لمدة ثماني سنوات، او طيلة سنوات الحرب تلك يذكي نيرانها من بعيد، قبل ان يتسلم الرئاسة من بعده نائبه بوش الاب، الذي اكمل قصة مأساتنا بطريقته الشهيرة في العام 1991 وحين جاءت الانتخابات الاميركية اواخر العام 1992 كانت اعين العراقيين تتطلع الى الرئيس القادم او المرشح بيل كلنتون، الذي تصور البعض انه سينهي الحصار الاقتصادي ويضع حدا لمعاناتنا، وقتذاك، لكنه بعد فوزه، تفنن في اطالة امد الحصار الذي لم يكن احد في العالم قادرا على انهائه خلافا لرغبة واشنطن، وقد كانت مندوبة كلنتون في الامم المتحدة ومن ثم وزيرة خارجيته، مادلين اولبرايت تتصرف وكإن العالم كله بات تحت الانتداب الاميركي!

لكن العراقيين كفوا، تقريبا، عن التطلع الى الاميركان ورؤسائهم، الذين لم ياتوا اليهم بما يرفع الحيف عنهم او يخفف من آلامهم، بعد العام 2003 ومجيء العراقيين ممن كانوا في المعارضة، وباتوا يمسكون السلطة بعد ذلك العام، الذي تغيرت فيه الكثير من الثقافات القارة، وتبدلت فيه ايضا الكثير من المفاهيم والامزجة، بعد ان ادرك اكثرنا ان المشكلة لاتكمن في الاميركان ورؤسائهم، بل فينا نحن اولا وفينا ثانيا وريما عاشرا ايضا، ولااقصد الشعب بل من يقومون على امره… نعم هذه هي الحقيقة المرة التي علينا ان نقولها الان بعد ان جاء ترامب الى السلطة، وللحقيقة نقول ان اغلب العراقيين لم يعولوا على أي من المرشحين، سواء ترامب اومنافسته هيلاري كلنتون، لانهم ايقنوا ان الساسة العراقيين لم يملكوا ستراتيجية واضحة في التعامل مع العالم الخارجي، ولم يتوحدوا في رؤيتهم لاغلب الامور التي تقرر مستقبل البلاد، فهم منقسمون على ابسط الامور، بما فيها سياستهم الداخلية، وان دول العالم، لايعرف اغلبها كيف يتعامل معنا، لان لكل كتلة سياسية لغة خاصة ورؤية مختلفة، ولها ايضا الحرية في التعامل مع من تراه منسجما مع هواها في الخارج، وكإنها تعمل بمعزل عن الحكومة العراقية التي ينبغي ان تمثل العراق كله.

ترامب اختلف مع كلنتون في كثير من المفاصل الحيوية في السياسة الاميركية، لكنه حين يتربع على عرش اميركا، سيتصرف وفقا لمصالح بلاده، وان الاختلاف هناك هو في كيفية خدمة اميركا افضل، اما الاختلاف هنا، ففي كيفية خدمة الكتلة او الحزب او الطائفة اوالقومية، وهكذا يتضح الفرق بين الاختلافين. اختلاف الاميركان بشان العراق اجرائي بحت، يتعلق في كيفية الحفاظ عليه حليفا او جعله كذلك، بعد ان اشتد التجاذب الدولي والاقليمي حوله وعليه. واختلافنا هنا ليس في كيفية التعامل مع اميركا الموجودة بقوة في العراق، بل في رفضها بالمطلق او الانسجام مع مشروعها بالمطلق، وكلا المشروعين غير صالحين لدولة مثل العراق، لها خصوصيتها الثقافية، ولها ايضا امكانياتها التي تجعلها تتمتع بهامش استقلالية وتكون لاعبا اساسيا في المنطقة وليس دولة تابعة لهذه الجهة او تلك.

ما نريده من ترامب سنحققه بالتاكيد، لو انسجمنا على رؤية واضحة او يجب ان تكون واضحة امام الاميركان انفسهم وغيرهم، وحينها سيتعاملون معنا على اساسها شرط ان تكون واقعية وتستحضر ظروف العراق وحاجته لعلاقات جوار متوازنة، ستفضي بالضرورة الى علاقات دولية متوازنة، ويجب ان تكون رؤيتنا واضحة لشكل الدولة التي نريد، وليست مشتتة بين تصورات لاعلاقة لها بثقافة العراق وواقعه المتعدد على مختلف المستويات. وبذلك سنجد ان ترامب سيكون عراقيا بتصرفه تجاهنا، لانه سيتعامل مع دولة لها ثقلها الذي تحتاجه اميركا في بعض المفاصل، مثلما يحتاج العراق اميركا في مفاصل اخرى، وتلك هي السياسة، حين تكون سياسة فعلا ، والاّ فعلينا ان ننتظر المزيد من الاهوال، ان لم نحسن قراءة الواقع ونتعلم من الدروس!.

............................................................................................
* الآراء الواردة في مقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق