إن الحوكمة الحكيمة الراشدة والديمقراطية الحقيقية لا الزائفة هما التعويض والبديل التام. وبصراحة اكبر أجد انه لا يجدر بنا اللجوء أو الارتكان إلى منصات وأكتاف ومظلات أوروبية أو أمريكية لأنه من غير الممكن إن نغفل أو نتغافل بوعي أو سوء إدراك إن الدول الغربية...
سيادة الرئيس... بعد التحية والسلام... ومن دون مقدمات وإنشاءات... فنحن جميعا ندرك ماهية القضية الكردية وماهية فحواها وتاريخها وأركانها وأزماتها وتقلباتها وإسرارها وما نتج عنها ولها، غير أنها ومع ذلك كله قد يتاح لها ألان إن تكون مدخلا للسلام في خارطة التوازنات المحلية والإقليمية والدولية في الشرق الأوسط بوصفها شريكا فعال، إذا ما أمكن للكرد إن يجتازوا العقبات والإشكاليات التي تعترضهم وتضعف من قضيتهم وفاعليتها على كافة المستويات المحلية وإلاقليمية والدولية، لذا نجد انه من الضروري لهم وللجميع توحيد المواقف والخطابات في المحافل الدولية وإلغاء حالة العداء المبطن بين القيادات الكردية والتسامي فوق انعدام الثقة والشكوك والخوف من الأخر، والتعالي فوق إشكال الحزبية المتزمتة التي تحكم وتتمكن بصور العلاقات بين القواعد الحزبية والتكتلات الكردية.
سيادة الرئيس إن الحوار المنظم والمتواصل بين جميع الإطراف المعنية أمر أساسي في تجنب إشكال وصور ومراحل النزاع المستعصي، ولكن لكي يثبت ذلك وظيفيًّا وبشكل ناجح، يجب توضيح أمر رئيس وأساسي وهو _فرضية التفاوض_، ولذا يتعين بطرق وأساليب مؤكدة توضيح مسألة احتياجات التفاوض أثناء المحاولات والجلسات والمفاوضات، وان بعض الوعود الغامضة والعامة لا ينبغي أن تُستخدم كذريعة للتصلب أو العناد كما لا ينبغي إغلاق باب الحوار بين جميع الإطراف المعنية بل فتح وتوسيع أبوابها بزيادة، لأنه توجد حاجة ماسة لجميع تلك الإطراف وللدول الإقليمية وحتى الدولية بالمبادرة في وضع حلول ُمبتكرة وقابلة للتطبيق لحل استعصاء القضية الكردية. لأنه إن تم ترك الوضع الراهن على ما هو عليه فأنه سيؤدي إلى كثير من التوترات والاحتكاكات وحتى لربما يؤدي إلى الدخول في الصراعات المفتوحة ومثل هكذا حالات في قضية مستعصية ستؤدي بالتالي إلى نزاع مفتوح لن يكون بالإمكان تحييده أو التحكم في امتداداته، ومن هنا يتضح أن الوضع السابق وحتى الراهن كان غير مستقر ولا يمكن الدفاع عنه، ولذا يستوجب إن تكون المبادرات الهادفة لتحقيق السلام الحقيقي غير مبنية على المواقف المعلنة من أيا من الإطراف المشاركة في عمليات المفاوضات.
سيادة الرئيس إن منطق الحوار إن أردنا صياغته وجعله منطلقا للسلام فلابد إن يكون هو السائد فعليا في حل القضية الكردية في منطقة الشرق الأوسط، كما وينبغي إن أردنا تغييرا حقيقا إن يتم ذلك بعيدا عن سرديات المظلوماتية لدى الأقليات والمغالبات عند الأكثرية، لأننا إن تمعنا بأصول القضية الكردية فسنلمس أنها لم تكن ابدآ نتيجة التدخل الخارجي للدول الكبرى إنما حقيقتها تتمحور في غياب الحوكمة الرشيدة غير إن العامل والتدخل الخارجي كان قد فاقم القضية وزاد وأعلى من تأثيراتها، لدرجة إن تأملنا يكاد إن يدفعنا للقول إن القضية حلها لا يكون جغرافيا ولا حتى حدوديا إنما حلها كامنا ومرتبطا بأوضاع البنية الحوكمة العادلة التي لها القدرة والرؤيا للاستجابة لتطلعات أقلياتها، وكل ذلك لابد لضمان نجاحه من إن يكون مرتبطا بمعادلة توازن القوى المحلية والدولية.
سيادة الرئيس إن موضوع القضية الكردية حساس لذا يجدر بالكرد من إن يفقهوا إن الحل لا يكمن فقط بقيام دولة مستقلة لهم، ولابد لهم من التسامي الفعلي على إيديولوجيات القرنين الثامن عشر والتاسع عشر المتمحورة والمرتكزة حول تعريفات السيادة والاستقلال، وصولا بطموحاتهم إلى التمركز في الحوكمة الهادئة الواعية والتعاون السياسي والثقافي والاقتصادي الهادف والايجابي. ومن ذلك يمكن إن نصل إلى إمكانية النظر نحو القضية الكردية بمفهوم يتمتع بحساسية اكبر لان النظام الدولي مع انه يقف بالضد، دوما والى ألان تجاه مسألة تغيير الحدود، لكنه وفي الوقت ذاته فهو أعاد ويعيد النظرة في مفهوم هيكلة سيادة الدولة مما يعني انه نظام يميل لاستقرار حدود وجغرافية الدول غير انه وفي الوقت ذاته يميل ويرغب بإعادة صياغة مفهوم السيادة للدولة، وهذا ما نشهده ونعيشه في منطقة الشرق الأوسط. وكما كان قد مر بها سابقا، فهي اليوم أيضا تمر في محطة تغير جديدة وحالها متغير وكل من فيها تأثر وسيتأثر بتطورات الحال بما في ذلك القضية الكردية، وان عالم الشرق الأوسط ومثلما مر سابقا في سلاسل تفتيت وتشكيل فلربما سيشهد سلسلة جديدة من ذات الأمر.
لذلك سيادة الرئيس يجب إن لا نفتكر في القضية من باب مصلحة سياسية فقط لأننا إن التفتنا إلى الجانب الاقتصادي وفكرنا بجدوى القضية اقتصاديا فسيدفعنا ذلك إلى عرض أي تطور أو تغير على معادلة الربح والخسارة وماهية المنافع المجتباة والخسائر التي ستتكبدها حوصلة التغيير المنتظر جرائها. غير انه هناك فرص أخرى لا تتوقف عند الحلول السياسية أو الاقتصادية للقضية الكردية فأن نظرنا إليها في سياق الجيوسياسية فسنجد إن الاندماج ألتعددي في سياق تفاهمي ممكن للكرد لأنهم وطوال التاريخ الإسلامي عرف عنهم أنهم من مصادر التوحيد والالتئام، فلذا ينبغي لهم إن يدركوا ويستوعبوا ويحسنوا توظيف مكانتهم ودورهم بطرق عملية لا عاطفية وبترك التشبث بوعود الماضي، لأنهم لربما إن أرادوا فبإمكانهم إن يقيموا بينهم وفي التحديد بمنطقة الشرق الأوسط _اتحادا ثقافيا مرنا_ بدلا عن كابوس قيام الدولة السياسية التي جرت وتجر وستجر بشكل و آخر عليهم وعلى المنطقة الكوارث. ولإيجاد حلول رائدة للقضية الكردية فأن علينا إن نتعامل معها من منطلق البحث عن الحل الحقيقي لا إن تتعامل معها سيادتك من منطلق السياسي المنحاز لطرف ما لذا يقتضي النظر والتعاطي مع القضية بنظرة عالمية أكثر سعة لان المساعي الانفصالية ستكلفنا جميعا الكثير، لذا لابد من السعي التفاوضي عبر الوصول إلى النضج والإدراك المطلوب للمتغيرات الشاملة التي تشهدها وتعيشها وتمر بها منطقة الشرق الأوسط.
سيادة الرئيس وبصراحة فقد حان الوقت للكرد إن يحددوا مسارا بديلا نحو تقرير المصير بأعتمادهم شكلا أكثر واقعية عن النزعة القومية، شرط إن يضعوا في أولوياتهم تحقيقهم وقبل كل شيء للأمن والحرية والرفاهية والابتعاد عن الإخطار، بقبول ما هو اقل من الدولة وحتى لو كان بالقبول بأقل من الحكم الذاتي، عبر إثبات إن الحوكمة الحكيمة الراشدة والديمقراطية الحقيقية لا الزائفة هما التعويض والبديل التام. وبصراحة اكبر أجد انه لا يجدر بنا اللجوء أو الارتكان إلى منصات وأكتاف ومظلات أوروبية أو أمريكية لأنه من غير الممكن إن نغفل أو نتغافل بوعي أو سوء إدراك إن الدول الغربية لا تهتم ولا تسير إلا خلف مصالحها وأهدافها عبر توظيف القضية الكردية في إطار سياسة توازن القوى وإثارة الفتن والنزاعات بين دول الشرق الأوسط، وبالتالي فأنها حتى لو استخدمت مصطلحات حق تقرير المصير أو رعاية حقوق الأقليات فهي لا تود عبر طرحها لها تحقيق أهداف الكرد إنما فقط استغلال قضيتهم لأجل تحقيق مصالحها القومية. لذا لا يجب على الأقلية الكردية إن لا ترمي بنفسها وتحطم حياتها في تمردات وأزمات لا نفع لها من الاشتراك بها ولا جدوى، ومن الأجدر لها إن تساهم بدور حقيقي وسلمي ورائد لتحقيق السلام المفقود في منطقة الشرق الأوسط.
وللإيضاح يا سيادة الرئيس فنحن هنا لم ولا نقول كلامنا هذا من باب عاطفي أو قومي أو عنصري ولا حتى شوفوني، غير إننا وعبر إدراكنا وفهمنا لتقلبات القضية وشدة المعتركين الإقليمي والدولي، نرى انه لا مستقبل للكرد إلا عبر الانتماء الحقيقي للبلد الذي ولدوا وعاشوا فيه وان يشاركوا بصدق وإخلاص ووفاء في أعمار وتقدم الدولة الذي يعيشون فيها وعلى أراضيها.
ونختم الحل الحقيقي سيادة الرئيس بتساؤلين أجد لابد من طرح مضمونهما الذي أراه أساسيا لأية أفكار تطبيقية أو طروحات استنباطية، وهما :
1_ هل تملك الإطراف المحلية والإقليمية والدولية الجرأة لمراجعة جدوى أساليبها ونتائج سياساتها وجدوى إيديولوجيتها في تعاملها غير المجدي إلى ألان مع القضية الكردية؟
2_ هل يملك الكرد العقلانية والمقاربة الفكرية والاقتصادية والعملية لإجراء نقد ذاتي لمحتويات ومجريات قضيتهم واستخلاص العبر واستنباط الدروس منها؟
ألعراقي/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي.
اضف تعليق